29 أبريل 2024

لبنان : استفحال الأزمة السياسية بعد فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد

لبنان : استفحال الأزمة السياسية بعد فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد

يودع لبنان عام 2022 الذي أوشك على الانتهاء ، وهو يعيش أزمتين طاحنتين مرتبطتين ، أولاهما سياسية حيث دخلت البلاد بنهاية أكتوبر الماضي ، مرحلة فراغ رئاسي قد يطول ، والأخرى اقتصادية ، حيث تتراكم الديون على الحكومات المتعاقبة ، وأصاب الشلل البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات ، فضلا عن انهيار العملة اللبنانية (الليرة) أمام العملات الأجنبية ، في وضع وصفته المؤسسات الدولية بأنه الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث.

وتعد مسألة شغور المناصب العليا في لبنان أمرا شائعا ، لكنها أصبحت بشكل متزايد دليلا على استفحال وتعمق الأزمة التي يعانيها النظام السياسي في لبنان ، لذلك ، لا يبدو غريبا على كثير من اللبنانيين أن قصر بعبدا (مقر رئيس الجمهورية) أضحى خاليا من ساكنه ، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون ، وفشل البرلمان في انتخاب خلف له.

ويأتي الفراغ الرئاسي هذه المرة في لبنان في ظل انهيار اقتصادي متسارع ، مع وجود حكومة تصريف أعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات ضرورية لضمان الحصول على المساعدات الدولية التي يتطلبها الوضع في لبنان بقوة ، وبعد 3 سنوات على احتجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة.

ويشهد لبنان منذ 3 سنوات انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين ” الأسوأ في العالم منذ عقود ” ، حيث خسرت العملة المحلية قرابة 95 في المائة من قيمتها ، وبات أكثر من 80 في المائة من السكان تحت خط الفقر.

وتعليقا على الوضع السياسي في لبنان ، يقول الخبير في الشأن العربي محمود الشناوي ، إن مختلف السياسيين اللبنانيين ي جمعون على أن النظام السياسي يعيش مأزقا حقيقيا ، لكن لا أحد منهم يملك تصورا واضحا لنظام بديل يمكن أن يحظى بإجماع وطني ويخرج لبنان من أزمته الحالية.

وذكر الخبير ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن الاستقرار السياسي بعد الحرب الأهلية كان مرهونا دائما بالاستقرار الاقتصادي والتوازن الطائفي في الداخل ، فضلا عن توازن النفوذ الإقليمي في البلاد ، مشيرا إلى أن الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان في الوقت الراهن أدى إلى تقليص حاد للطبقة الوسطى ، ودفع غالبية اللبنانيين إلى الفقر وتصاعدت حدة الغضب تجاه القادة السياسيين.

وتوقع أن الفراغ الرئاسي قد يطول وسيؤدي حتما إلى انهيار البلاد بشكل أكبر ، قائلا ” إنه على الرغم من أن منصب الرئيس لا يلعب دورا جوهريا في إدارة السلطة التنفيذية ، فإن الحكومة التي يفترض أن تنتقل إليها الصلاحيات الرئاسية بموجب الدستور ، مستقيلة ، وبالتالي فهي مقيدة وغير قادرة على اتخاذ قرارات تنتشل البلاد من براثن السقوط”.

ويرى أنه في ظل المخاطر الراهنة ، قد يكون بمقدور القادة السياسيين في لبنان التوصل إلى تسوية مؤقتة للحد من الأضرار الناجمة عن الفراغ الرئاسي ، بما في ذلك التفاهم على ترتيب جديد يتيح لحكومة تصريف الأعمال الحرية المطلوبة للموافقة على الإصلاحات الاقتصادية .

من جهتها ، أشارت أميرة الشريف ، الباحثة المتخصصة في الشأن العربي ، في إلى أن عملية اختيار الرئيس ، أو حتى تشكيل الحكومة تستغرق في العادة أشهرا عديدة وذلك نتيجة لتعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان .

ورأت أن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا ، يبدو مختلفا ، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة ، ووجود حكومة تصريف أعمال ، تبدو ” عاجزة ” عن اتخاذ قرارات ضرورية ، في ملفات ملحة ، أهمها القيام بإصلاحات ، يضعها المجتمع الدولي شرطا لدعم لبنان.

وكان الرئيس السابق ميشال عون، وفي رفض منه لقيام حكومة نجيب ميقاتي بصلاحيات الرئيس ، قد وقع، قبل مغادرته قصر الرئاسة ، مرسوما يعتبر حكومة ميقاتي مستقيلة ، لينفي ميقاتي من جانبه ما يشاع حول سعي الحكومة ، للقيام بدور الرئيس ، إلا أن الخطوة التي اتخذها عون ، وصفت من قبل العديد من القانونيين اللبنانيين ، بأنها غير دستورية وأنها لا قيمة لها.

وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان ، فإن القطاع المصرفي كان يعد ركيزة الاقتصاد اللبناني ، وجاذبا للودائع ورؤوس الأموال من المستثمرين العرب والمغتربين اللبنانيين ، وبلغت مجموع الودائع في المصارف حتى عام 2019 ، أكثر من 150 مليار دولار ، وفقا لتقديرات رسمية ، ولكن تغي ر الوضع جملة وتفصيلا ، فتحول القطاع المصرفي من كونه فخرا للاقتصاد إلى عنوان للأزمة الاقتصادية ، حيث فرضت المصارف قيودا مشددة على السحب بالدولار ، وجمدت الودائع ، ومنعت التحويلات المالية إلى الخارج.

وإزاء ذلك ، شهدت المصارف اللبنانية حالات اقتحام متكررة ، وتقاذفت القوى السياسية المنقسمة الاتهامات ، محملة الحكومة مسؤولية التفريط في مدخرات الناس ، وتجاهل معاناتهم ، وسط تحذير أمني من أجندات لضرب السلم الأهلي.

وتعليقا على الوضع الاقتصادي في لبنان ، يقول محسن محمود الخبير الاقتصادي المصري ، إن لبنان يقبع تحت أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية (1975 و1990 )، مشيرا إلى أن الشلل قد أصاب البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم في الأساس على الخدمات.

ولفت الخبير إلى عجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم الدولارية ، فضلا عن انهيار العملة اللبنانية ، ما دفع قطاعا كبيرا من السكان إلى صفوف الفقراء.

وتابع أن البنك الدولي دعا أكثر من مرة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان ، وسط استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية ، معتبرا أن غياب السلطات وعدم انتخاب رئيس للبلاد أو وجود حكومة كاملة الصلاحيات يتجه بالاقتصاد المتدهور نحو الأسوأ والمجهول.

وفي تقرير له قال البنك الدولي ، إنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان ، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد ، ومن المرجح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية ، مما يعمق محنة الشعب اللبناني.

ورغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص ، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر ( 145 في المائة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022) مما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ يوليوز 2020 ويتوقع أن يبلغ متوسطه 186 في المائة في عام 2022 ، وهو من بين أعلى المعدلات عالميا.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.