26 أبريل 2024

الأسواق الشعبية عامل لاستقطاب السياح بمكسيكو

Maroc24 | دولي |  
الأسواق الشعبية عامل لاستقطاب السياح بمكسيكو

منذ ما يربو عن خمسة عشر عاما، يباشر السيد ريكاردو مورينا، مع ساعات الصباح الأولى، العمل بمتجره الصغير ب”ميركادو دي لا ميرسيد”، أحد أهم وأقدم الأسواق الشعبية في مكسيكو.

على نغمات أسطورة الغناء المكسيكي الراحل بيسينتي فيرنانديز، يرتب هذا الرجل الخمسيني بضائعه بعناية، ينفض عنها الغبار، ويرصها بحيث تبدو كلوحة فنية من فرط الألوان والزخارف.

مرتديا قبعته المكسيكية الشهيرة، يحكي السيد مورينا لوكالة المغرب العربي للأنباء، بفخر عارم، عن يومياته في هذه السوق الواقعة بالمركز التاريخي للعاصمة، حيث تتنوع الألوان والروائح والنكهات والمعاني، في توليفة تعكس جزءا من ثقافة وحضارة المكسيك وتشكل عامل جذب سياحي.

بالنسبة للسيد مورينا، يعد التجول في أسواق مكسيكو الشعبية متعة لا تضاهى، حيث تصطف متاجر صغيرة ومتناسقة في شكلها وتنظيمها، لتعرض قطعا أثرية تشير لحضارات عمرت طويلا في المكسيك، ألبسة وإكسسوارات أو آلات موسيقية تقليدية، بعض الأعمال الحرفية والأثاث المصنوع يدويا، وفي بعض الأحيان حلويات أو أطباق المقبلات المكسيكية ذائعة الصيت.

ورغم انتشار الأسواق والمتاجر الحديثة، لا يزال للأسواق الشعبية في مكسيكو رونق خاص ومكانة متميزة. فإلى جانب جاذبيتها السياحية الكبيرة، تعتبر محركا أساسيا لاقتصاد المدينة ومصدر دخل للآلاف، لا سيما بعد انتقال بعضها إلى بيع المواد الغذائية والسلع والبضائع المستوردة من الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، في غالبية المرافق أو في جزء منها.

وحسب بيانات للحكومة المحلية لمكسيكو، تضم الولاية 652 سوقا شعبيا، يوجد أكثر من نصفها في أحيائها الشرقية مثل ميغيل هيدالغو وخوسي ماريا موريلوس أو سانترال دي أباستو، التي تكاد تكون مدنا قائمة الذات بالنظر لما توفره من منتجات للعرض السياحي أو الاستخدام والاستهلاك اليومي.

للسيد مورينا زميل يدعى خوان رامون مارتينيز، وهو رجل ستيني قضى أكثر من نصف حياته في العمل بهذه السوق. في حديثه للوكالة أكد أن الأسواق الشعبية “لا تزال تجسيدا حيا للتقاليد والفلكلور الأصلي لمكسيكو ما قبل عصر العولمة والتكنولوجيات، كما يعكس بعضها نبض المدينة وخصوصياتها اللامتناهية».

ويعرض السيد مارتينيز في متجر أنيق تزينه زخرفات من الصناعة التقليدية المكسيكية رفقة شقيقه مقبلات “التاكو” المكسيكية ذائعة الصيت، مرفوقة بمجسمات صغيرة لهذه الوجبات، بالإضافة إلى مشروب حليب جوز الهند والصويا التقليدي.

وقال المتحدث إنه يستقبل ما يربو عن مائة زبون في اليوم، معظمهم من السياح الأجانب ممن يأتون لاكتشاف نبذة عن تاريخ وحضارة المكسيك في هذه السوق، مبرزا أن أهمية هذه الأسواق، ومنها ما يعود لفترة التواجد الإسباني في المكسيك، لا تقتصر على ما تعرضه من منتجات تقليدية فقط، بل يحافظ معظمها على أنماط قديمة في التنظيم، كالافتتاح في الثالثة صباحا والإغلاق في الثالثة بعد الزوال أو السادسة مساء، في استمرارية لتقليد السكان الأصليين للبلاد، أو تخصيص يوم في الأسبوع لتنظيم السوق الذي كان بمثابة نقطة اجتماع أسبوعية أو يومية للتبضع واللقاء وحتى استقاء الأخبار.

ويكتسي تنظيم السوق الشعبية في المكسيك أهمية خاصة، حسبما أكدته السيدة إسبيرانسا أنيبال، التي تعمل في معرض للملابس والإكسسوارات التقليدية النسائية، كونه لا يزال يعتبر شكلا من أشكال التماسك الاجتماعي واستمرارية للعادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين.

وفي خضم حديثها للوكالة عن منتجاتها اليدوية المحاكة بدقة وعناية، تستعيد السيدة إسبيرانسا بداياتها في سوق شعبي بولاية واخاكا الجنوبية، حيث دأبت سيدات القرية على المشاركة في تطريز “لباس العروس التقليدي” آنذاك في نقطة تجمع أسبوعية، وحينها تلقت الأساسيات الأولى لحياكة وتطريز الملابس التقليدية الخاصة بالنساء، قبل أن تنتقل إلى مكسيكو بدعوة من وزارة الثقافة لتلقين الأجيال الجديدة قواعد هذه الحرفة العريقة.

وأكدت المتحدثة أن عملها في هذه السوق منذ عشر سنوات يشعرها “بالفخر ويمثل دعما للجهود المبذولة للتعريف بتقاليدنا المكسيكية الغنية ومتعددة الروافد (..) والتي تميزنا في واقع الحال وتبقى عامل جذب سياحي واقتصادي”.

وحسب تعريف وزارة الثقافة المكسيكية، فقد نشأت هذه الأسواق نتيجة لمحاولة تنظيم أسواق المكسيك قبل الأسبان، وكانت تسمى آنذاك tianguis “تيانغيس” وهي “السوق في الهواء الطلق أو السوق المفتوحة”، وكانت تنظم في أيام محددة من الأسبوع بحسب مناطق تواجدها والخدمات التي توفرها، وتستمر عادة طوال يوم واحد أو كل يوم في فترة زمنية محددة بشكل دوري كما كان عليه الحال في أمريكا الوسطى القديمة.

ويشير هذا التعريف الرسمي إلى إنشاء هذه الأسواق بالقرب من مراكز المدن (الأرياف في السابق)، وعادة ما تكون بالقرب من النهر أو الساحل أو المناطق الرطبة، حيث دأب التجار على الالتقاء منذ عصر ما قبل الإسبان، قبل أن تتحول إلى مبان صغيرة أو أكشاك يعاد تركيبها وتفكيكها في موعد السوق، وتتواجد حاليا بالقرب من المراكز الثقافية أو المراكز التاريخية والفضاءات العمومية التي شيدت مع التوسع العمراني.

وتحافظ هذه الأسواق التي تسمى أيضا “الأسواق البلدية أو العمومية” أو “ميركادو” بالإسبانية على تقليد عريق اشتهر به السكان الأصليون للمكسيك، وهو المقايضة أي بيع السلع والمنتجات مقابل سلع أخرى عوض المال، ولا سيما في الأسواق القروية بالرغم من تراجع هذه العادة بشكل لافت.

ولضمان استمرارية الأسواق الشعبية، خصصت الحكومات المحلية دعما للصيانة والتشغيل، ويتواجد قرابة 75 في المائة منها في المناطق السكنية منخفضة الدخل والأحياء ذات الدخل المتوسط، ويتم تأجيرها من قبل التجار أو البلديات مقابل مبالغ في المتناول تؤدى أسبوعيا أو شهريا، في خطوة لتحريك عجلة اقتصاد الأحياء.

وكشفت العديد من الدراسات الأنتروبولوجية أن نمط الأسواق الشعبية في المكسيك عامة لم يتغير بشكل كبير منذ عصور ما قبل الإسبان، وخاصة في جنوب ووسط البلاد، مؤكدة أنها لا تزال تحافظ على نفس البنية الاقتصادية والاجتماعية تقريبا، مع مراعاة بعض التطورات المواكبة للعولمة والتوسع العمراني.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.