02 ماي 2024

العاديون .. برنامج وثائقي يسلط الضوء على حياة المداشر وبساطتها

العاديون .. برنامج وثائقي يسلط الضوء على حياة المداشر وبساطتها

لا يعادل سرعة تفشي كورونا إلا تناسل حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن بعضا من الأخيرة لا يقل خطورة عن الفيروس. غير أن المحتويات الهادفة تسامت ومي زت الغث من السمين، كما هو حال السلسلة الوثائقية الرقمية “العاديون”.

فبينما توسل البعض بـ”الفيديوهات المنزلية” والصور الثابتة والمحتويات الباهتة لحصد نقرات الإعجاب والمتابعة، اختار صاحب هذا العمل الإبداعي السفر بعيدا بين ثنايا مداشر المغرب العميق لتسليط الضوء على قيم الإيثار، ونكران الذات، والتكافل، والكرم، والتمسك بالأرض، والصبر، وغيرها من القيم المغربية الأصيلة التي بدأ مد “الحداثة السائلة” يجرفها رويدا رويدا.

“العاديون” حسب معد البرنامج، عبد الرحمان الرايس، الذي نال لقب أفضل صانع محتوى رقمي بالمغرب (The one) “ذي وان” لسنة 2021، هم بسطاء الناس الذين يعيشون على هامش الأحداث، البعيدون عن الحواضر وحظوتها واستئثارها بالأمر والنهي، أولئك الذين يتدثرون بالبساطة والقناعة ويطوقهم شظف العيش، ويحدوهم الأمل المتجدد.

قبل خطوه الأول، وجه هذا الشاب الثلاثيني الحاصل على ماستر في الثقافة والتراث والتنمية، بوصلته صوب الفعل الإبداعي – بالكلمة والصورة والمجالسة والحديث الرائق – وتزكية قيمة التضامن مع من أسماهم “العاديين”.

التقى عبد الرحمان من العاديين، خلال الحلقات التي تناهز الـ70، الطفلة عائشة التي فقدت سمعها ومعه فرصة الدراسة لكنها لم تفقد الأمل في مصاحبة صديقاتها إلى الفصل الدراسي، وواسى الأرملة الطاعنة في السن “إبا الصفية” التي تهد م معظم بيتها الطيني، وواكبت عدسته أصعب تنقل صباحي للأطفال نحو المدرسة – دام أكثر من ساعتين بين منحدرات جبال سوس، وأبرز جمال المغرب المخفي في هاته الربوع القصية.

عبد الرحمان نفسه أحد أولئك العاديين، إذ قضى أيام طفولته البسيطة في مدشر “تشوريت” ضواحي إقليم تيزنيت يساعد والده في رعي الغنم أيام العطل، وواجهته صعوبات في إتمام الدراسة لبعد المدرسة عن سكناه، رغم تفوقه في الدراسة طيلة مرحلة التعليم الابتدائي.

يقول الطالب الباحث في سلك الدكتوراه، في بوحه لوكالة المغرب العربي للأنباء، “عزمت على مغادرة المدرسة. حينها فكرت في المغادرة نحو المدينة بحثا عن العمل، لكن والدي رفضا الفكرة تماما وشجعاني على مواصلة الدراسة وأرسلاني لإتمام الدراسة بالمدينة بعد حصولي على شهادة المرحلة الابتدائية”.

ولعل هاته التنشئة وهذا المسار الصعب مبرران ذاتيان لنسج علاقة متميزة مع محيطه القروي وأشباهه من العاديين، بل إنهما إحدى دواعي إبداع هذه السلسلة التي يرى فيها “منبرا وصوتا لهذه الفئة”.

ولأن زيارته لمداشر سوس والحوز لم تهدف إلى إشباع ضمأ التصوير الفوتوغرافي فحسب، بل تجاوزته إلى إحياء علاقات اجتماعية مبنية على التواصل والمساعدة، فقد أسهمت السلسلة الوثائقية في إبراز صور براقة من التكافل الاجتماعي مع حالات إنسانية طالها النسيان، على غرار “إبا الصفية” التي حصلت على بيت جديد يؤويها، والراعي محمد الذي أ هدي له مبلغ من المال لإطلاق مشروع يكفيه عنت الرعي بالأجرة، والطفلة عائشة التي عبر بالنيابة عنها عن الأمل في استعادة نعمتي السمع والكلام، وغيرها من الحالات.

إلى جانب ذلك، يتسنى لمتابع حلقات “العاديون” أن يرصد فعلا ترويجيا للإمكانات السياحية التي تزخر بها قرى الجنوب، سيما بفضل تقنيات وجودة التصوير، الأمر الذي من شأنه أن يلفت الانتباه إلى هاته المناطق ويعزز السياحة الداخلية في ظل الأزمة العالمية التي أرخت بظلالها على هذا القطاع.

بالنسبة لعبد الرحمان، الفوز بلقب “ذي وان” يمثل نقطة انتقال نحو إرساء مشروع شخصي وبلورة أفكار جديدة لم يتح له إنجازها من قبل، وذلك كي “يكون عند مستوى التشريف والتكليف” ويبتعد عن الرتابة.

“العاديون” فكرة أصيلة انبثقت من رحم الصعوبات، وقودها الشغف بالصورة والسفر، وغايتها الإنسان من حيث هو إنسان. وإن شئت فهو الصوت الذي يسمع وسط ضجيج “الأدسنس”.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.