03 ماي 2024

“سيرفانتس” : مسرح ذو طابع معماري عربي ببوينس آيرس

Maroc24 | فن وثقافة |  
“سيرفانتس” : مسرح ذو طابع معماري عربي ببوينس آيرس

يستحق المسرح الوطني للأرجنتين اسمه ومكانته، فهو يتموقع في قلب المركز التاريخي لمدينة بوينس آيرس، وبالضبط في شارع قرطبة، أحد أكثر الشوارع حيوية في العاصمة.

اسمه سيرفانتس، مسرح بفخامة أمريكا اللاتينية، وهو رمز لسنوات ازدهرت فيها الثقافة الإيبيرية- الأمريكية، عندما كانت عواصم هذه المنطقة تشكل ممرا ضروريا للجولات العالمية لفرق المسرح ذائعة الصيت. وتحمل واجهة المبنى، الذي لا يبعد كثيرا عن الشريان الرئيسي لبوينس آيريس (9 يوليوز)، سمات مطابقة للتراث المعماري للأندلس.

وقد تطلب بناء المسرح وزخرفته في بداية القرن الماضي تعبئة 700 عامل وحرفي. لكن صاحبي العمل كانا الفنانين الإسبانيين، ماريا غيريرو وزوجها فرناندو دياز دي ميندوزا، اللذين رهنا ثروتهما الشخصية لإنشاء جوهرة معمارية وثقافية لمدينة بوينس آيرس. وانبثق المشروع من حلم الممثلة الإسبانية وزوجها اللذين تمكنا من الحصول على دعم ملك إسبانيا آنذاك، ألفونسو الثالث عشر.

وقد أمر ملك اسبانيا بأن تنقل السفن الإسبانية المواد الضرورية إلى بوينس آيرس لجعل سيرفانتس معلمة مخلدة للثقافة الإيبيرية. وإلى جانب المواد اللازمة، نقلت هذه السفن المهارة والخبرة الأندلسية في مجال الهندسة المعمارية والديكور.

وكشفت الصحافة في ذلك الوقت، بتفاصيل دقيقة، عن الشحنات التي وصلت مباشرة من إسبانيا إلى ميناء بوينس آيرس لبناء “سيرفانتس”. من بلاط بلنسية إلى بلاط تاراغونا الأحمر، مرورا بالمقاعد والمرايا وأكسسوارات إشبيلية؛ والمصابيح الزيتية وفوانيس لوسينا؛ واللوحة الجدارية للسقف القادمة مباشرة من برشلونة والستائر والمفروشات المطرزة بالحرير والذهب من مدريد. وقد تفاعلت ماريا غيريرو، التي منحت اسمها لمسرح آخر شهير في إسبانيا، بشدة مع اقتراح المهندسين المعماريين من أجل إقامة نفس تفاصيل جامعة الكالا دي إناريس، التي بنيت بين عامي 1514 و 1533 في مدريد، على واجهة “سيرفانتس”.

وتضم الواجهة سمات من الطراز العربي الإسباني، الذي يطلق عليه أيضا اسم “المدجن”، في إشارة إلى المسلمين الذين أجبروا على تغيير دينهم واختاروا البقاء في شبه الجزيرة الإيبيرية بعد طرد المسلمين.

وقد استمر النمط المعماري “المدجن” في التطور مع دمج مؤثرات أو مواد متنوعة، قبل أن يصبح صلة وصل بين الفن الأوروبي والفن الإسلامي.

وتشمل الملامح الرئيسية لهذا النمط التي تظهر على الواجهة وبداخل مسرح سيرفانتس، الطوب والجص والسيراميك والخشب، وجميع العناصر التي تعكس الكنوز المعمارية في غرناطة وقرطبة وإشبيلية وأيضا في فاس ومراكش. وقد شهد المسرح خلال سنواته الخمس الأولى نجاحا باهرا، ببرمجة عروض لكبريات الفرق المسرحية القادمة من العواصم الأوروبية، حيث تم بث حفلات للموسيقى الكلاسيكية على أمواج الراديو، ما شكل سابقة في ذلك الوقت.

واحتفلت الجمعية التشريعية لبوينس آيرس بمرور 100 عام على إنشاء المسرح بلوحة تذكارية وضعت على الباب الرئيسي ك تب عليها: “كان افتتاح سيرفانتس في 5 شتنبر 1921 (…) حدثا ثقافيا واجتماعيا حقيقيا جمع فنانين ومثقفين وسياسيين، ونخبة المجتمع في بداية القرن. واستحق الحدث أن يتصدر عناوين الصحف في بوينس آيرس”. “لقد كان تجسيدا لحلم لطالما راود الممثلة الإسبانية ماريا غيريرو وزوجها فرناندو دياز دي ميندوزا، زوجان كرسا كل طاقتهما وثروتهما الشخصية لتحقيق مشروع بناء المسرح الرائع في بوينس آيرس”. وهو تكريم لمعلمة ذات جمال خلاب.

ورغم ذلك، فإن حلم الزوجين الإسبانيين سيتحول إلى كابوس بعد خمس سنوات فقط. فقد أصبحت تكاليف الصيانة باهظة للغاية بحيث لم يتمكن الزوجان من تحمل الديون الثقيلة التي أعقبت ذلك. وقد تم تجنب بيع المبنى في المزاد العلني في عام 1926 بصعوبة بفضل تعبئة شخصيات فنية وثقافية. واستحوذت الدولة الأرجنتينية على المسرح في عام 1933، لتجعل منه مسرحا وطنيا، وهو الوحيد في البلاد حتى الآن، ثم صنفته ضمن المآثر الوطنية.

وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ ومؤرخ المسرح، خورخي دوباتي، الذي ألف كتابا عن الذكرى المئوية لمسرح سيرفانتس، في مقابلة صحافية مؤخرا، أن “تاريخ سيرفانتس يشترك مع تاريخ البلاد”، مضيفا أن “هذا المسرح شكل فضاء تتردد فيه جميع الحساسيات الثقافية والاجتماعية والسياسية منذ قرن. كتابة تاريخ سيرفانتس هي كتابة لتاريخ الأرجنتين”.

وبعد حريق سنة 1961، أعيد بناء المسرح جزئيا قبل أن تفتح أبوابه مرة أخرى سنة 1968. وبذلك ستواصل سمات الهندسة المعمارية العربية- الأندلسية لمسرح “سيرفانتس” إبهار زواره.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.