14 يونيو 2025

الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: ركيزة واعدة للتنمية الشاملة في المغرب

Maroc24 | اقتصاد |  
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: ركيزة واعدة للتنمية الشاملة في المغرب

يتجه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي يشهد أوج زخمه التحولي، نحو تكريس موقعه كركيزة أساسية للتنمية الشاملة في المغرب ، وتدعمه في ذلك منظومة من الآليات المنخرطة في خلق الثروات المستدامة والمتكافئة.

ومن شأن هذا النموذج الاقتصادي، الذي تكمن ميزته الرئيسية في قدرته على اقتراح حلول ملموسة تلائم الاحتياجات المحلية، تأكيد إمكاناته في مجال خلق القيمة، مع إسهامه في تعزيز التوازنات الترابية والاجتماعية.

وتتدخل منظومات هذا الاقتصاد، سواء كانت في شكل تعاونيات أو جمعيات أو تعاضديات أو مقاولات اجتماعية، في مجموعة واسعة من القطاعات، وتحرص على القرب من الساكنة المستهدفة في إطار بعد تضامني قوي.

هذا ما أكده كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لحسن السعدي، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، مبرزا أن “قوة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تتجلى خصوصا في هذا الترسخ الترابي”.

وأوضح السيد السعدي أن ” غالبية المشاريع التي تنبثق عنه ت صممها المجتمعات المحلية بنفسها، حتى تستجيب لاحتياجات جد واقعية “.

وأوضح أن هذه المبادرات تغطي بعدا يهم تقوية القدرات، من خلال الإسهام في تطوير الكفاءات المحلية، كما تضطلع بدور محوري في تمكين النساء، لاسيما في مناطق لا تزال تتسم بمحدودية الولوج إلى فرص الشغل، مبرزا أن المغرب يضم اليوم 7.874 تعاونية نسائية تضم 72.910 منخرطة.

هيكلة متنامية تدعمها الدولة

وعبر سلسلة من برامج الدعم وآليات المواكبة، انخرط المغرب بزخم في تعزيز هيكلة قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والرفع من احترافيته وإدماجه في الاقتصاد المهيكل.

وفي هذا الصدد، قال السيد السعدي: “من أجل مواكبة صعود الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتعزيز أثره الاقتصادي والاجتماعي، ارتأينا إرساء آليات دعم عديدة تندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل التي نعتمدها لتطوير هذا القطاع”.

ومن بين أبرز هذه البرامج، أشار كاتب الدولة إلى برنامج “مؤازرة” الذي يساهم في تمويل مشاريع تنموية تحملها جمعيات وشبكات جمعوية وتعاونيات.

وأشار إلى أنه في إطار هذا البرنامج، تم إلى حدود اليوم انتقاء 577 مشروعا، منها حوالي 47 في المائة تخص الوسط القروي، مع اعتماد قوي لمقاربة النوع (حيث تمثل النساء حوالي 58 في المائة من المشاريع).

وأضاف “أطلقنا كذلك برنامج (تحفيز نسوة)، المخصص حصريا لتمكين النساء من خلال ريادة الأعمال في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ويروم هذا البرنامج مواكبة النساء حاملات المشاريع اللاتي تم تحديدهن في جهات مستهدفة، من خلال تقوية قدراتهن التنظيمية والتقنية والتسييرية، مع تثمين منتجاتهن وخدماتهن. كما يسعى البرنامج إلى إدماجهن في منظومة اقتصادية واجتماعية احترافية ملائمة لتنمية مشاريعهن”.

وفي ما يخص التسويق، ذكر السيد السعدي بتنظيم ثمانية معارض وطنية ضمت 3.231 منظمة من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، و32 معرضا جهويا بمشاركة 4.978 هيئة، إضافة إلى 54 سوقا متنقلا بمشاركة 3.568 منظمة.

وأفاد كاتب الدولة بأن هذه المنصات لا تساهم فقط في إنعاش المبيعات، بل تعزز أيضا من إشعاع منتجات الفاعلين المحليين ومهاراتهم.

الإدماج في الطلب العمومي.. رهان استراتيجي

من جهة أخرى، ي عد تجاوز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لمرحلة الاقتصاد المستهدف نحو إدماجه في المنظومة الاقتصادية التقليدية من أكبر التحديات المطروحة.

وفي هذا السيد ،قال السيد السعدي “إن إدماج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في الطلب العمومي يشكل بالفعل ركيزة استراتيجية تعزز مكانته الاقتصادية، مبرزا أن المغرب باشر عددا من الإصلاحات الملموسة في هذا الإطار، من أجل تيسير ولوج التعاونيات إلى الصفقات العمومية.

وعلى المستوى التشريعي، ذكر كاتب الدولة بالمادة 9 من القانون رقم 112.12 المتعلق بالتعاونيات، التي تنص على أن التسجيل في السجل المحلي ي مك ن هذه التعاونيات من المشاركة في طلبات العروض العمومية.

واعتبر أن هذا الاعتراف القانوني ي مثل مرحلة أولى مهمة، مضيفا أن التقدم الأهم يتمثل في إدراج مفهوم الأفضلية الوطنية ضمن المرسوم رقم 2.19.69 المتعلق بالصفقات العمومية، والذي ي درج التعاونيات صراحة ضمن المستفيدين من هذه الأفضلية إلى جانب المقاولات الصغرى والمتوسطة.

وأوضح السيد السعدي: “فعليا، تم اعتماد العديد من الآليات. إذ جرى تخصيص حصة من الحجم السنوي المتوقع للصفقات العمومية لفائدة التعاونيات. وفي حال تساوي عرضين، ت منح الأفضلية للتعاونية. كما أصبح لزام ا على أصحاب المشاريع نشر لوائح الطلبات المسندة لهذه الهيئات نهاية كل سنة مالية. ويمكن أيض ا تجزيء الصفقات إلى حصص لتسهيل ولوج المنظمات صغيرة الحجم، على غرار التعاونيات”.

وعلاوة على ذلك، تطرق كاتب الدولة إلى التدبير القاضي بإلزام المتعهد الأجنبي الفائز بصفقة عمومية بإسناد جزء من تنفيذها، في حالة اللجوء إلى المناولة ، نحو تعاونية أو مقاول ذاتي محلي. فضلا عن تخصيص حصة تبلغ 30 في المائة من الكلفة السنوية المتوقعة للصفقات العمومية للمقاولات الصغيرة جد ا والصغرى والمتوسطة، بما فيها التعاونيات.

وبحسبه، فإن هذه الإصلاحات تتيح مشاركة أكثر عدلا لبنيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في الطلبات العمومية، وتسهم في ترسيخ مكانة هذا القطاع باعتباره فاعلا أساسيا في التنمية الاقتصادية الوطنية.

ومن الواضح أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يوشك على تجاوز مرحلة حاسمة في المغرب. وذلك بالنظر إلى أن الزخم الجاري، المتمثل في تنامي عدد التعاونيات، وازدياد تأنيث النسيج التضامني، والانفتاح التدريجي على الصفقات العمومية، يعكس بوضوح طموحا قويا لجعل هذا القطاع رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في هذا الأفق ، من المرتقب أن تشكل المناظرات الوطنية المقبلة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، المزمع تنظيمها يومي 17 و18 يونيو الجاري ببنجرير، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، محطة مفصلية.

كما تهدف الدورة الخامسة من هذه المناظرات، من خلال ضم مختلف الأطراف المعنية حول الأوراش المهيكلة الجارية، إلى تعزيز إشعاع القطاع، وتشجيع تبادل الخبرات، وترسيخ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بشكل أعمق ضمن السياسات العمومية الوطنية.
و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.