13 يونيو 2025

مكانة الرحلة الحجية لدى المغاربة: ثلاثة أسئلة للباحث في التاريخ عبد الواحد بنعضرا

Maroc24 | مجتمع |  
مكانة الرحلة الحجية لدى المغاربة: ثلاثة أسئلة للباحث في التاريخ عبد الواحد بنعضرا

أكد الباحث في التاريخ عبد الواحد بنعضرا، المهتم بنصوص الرحلات، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الرحلة الحجية أغنت فعلا جنس الرحلة في المغرب، وتشكل من الناحية الأكاديمية، مصادر مهمة لمجموعة من الحقول العلمية على رأسها علم التاريخ.

وفي ما يلي نص الحديث:

1- ما هي المكانة التي احتلتها الرحلة الحجازية لدى المغاربة؟

“كان المغاربة يتوقون للقيام برحلة الحج نظرا لكونها شعيرة دينية لها خصوصيتها، ومناسبة لزيارة الحرم النبوي لما هو معروف من تعلق المغاربة بنبي الإسلام.. فمع بعد المسافة بين بلدهم والحجاز كان شوق المغاربة كبيرا لزيارة تلك الديار…

ومن جهة أخرى شكلت الر حلات الحجية مناسبة لربط صلات ثقافية مع المشرق، فلا يعزب عن بالنا عن أن الحج كان مناسبة لاقتناء مجموعة من الكتب أو نسخها، ولعل من أهم الرحلات التي شكلت نموذجا لاهتمام صاحبها باقتناء الكتب رحلة أبي سالم العياشي.

ولقد أسهم هذا الأمر في إنقاذ مجموعة من الكتب التي أ لفت في المشرق؛ والتي لم يصلنا منها اليوم إلا مخطوطة واحدة احتفظت بها خزانات المغرب.. وإلا كان مصيرها الضياع للأبد. وأستحضر هنا على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الجاحظ “البرصان والعرجان والعميان والحولان” الذي أنقذ بفضل مخطوطة وحيدة فريدة وجدت في المغرب.

كما شكل الحج فرصة لبعض المغاربة للإقامة بعد الحج في المشرق، ففضلا عمن جاور بمكة لمدة معينة، هناك من تنقل في مناطق أخرى واستقر في إحداها. وفضلا عن ذلك كان الحج، خاصة في بداية القرون الوسطى، فرصة لتلقي العلم، إذ كان مما يرفع مكانة الفقيه أن يكون قد رحل إلى المشرق وتلقى العلم عن فقهائه. وبالإضافة إلى كل ما سبق كان الحج فرصة لبعضهم لممارسة التجارة”.

2- كيف أغنت الرحلات إلى الحج أدب الرحلة في المغرب؟

“لقد أغنت الرحلات الحجية “أدب الرحلة” في المغرب، إذ ترك لنا العديد من الحجاج المغاربة نصوصا تعد بالمئات وليس العشرات فقط… وما زال عدد لا بأس به مخطوطا ناهيك عن المفقود من الرحلات الذي لم يصلنا.

وتتميز هذه النصوص الرحلية بالتنوع سواء في طبيعتها أو في القضايا التي تناولتها، فإلى جانب القواسم المشتركة بينها، هناك اختلافات ناتج بعضها عن تطور الزمن، ونلحظ ذلك بشكل كبير في تطور وسائل النقل.. وبعضها ناتج عن طبيعة الرحالة نفسه، فهناك من كان مهتما بتلقي العلم والحصول على إجازات علمية، وهناك من كان لا يرغب إلا في أداء الحج والعودة إلى بلده. بل أكثر من ذلك ساعدت الرحلات الحجية السابقة في مساعدة المؤلفين اللاحقين من خلال توفير مادة استند عليها هؤلاء لكتابة رحلاتهم.. مما أسهم في هذا العدد الضخم من الرحلات الحجية المؤلفة من قبل المغاربة.

فمتن الرحلات الحجية يشكل النسبة الأكبر بين باقي الرحلات.. لذلك يمكننا القول إن الرحلات الحجية أغنت فعلا جنس الرحلة في المغرب”.

3 – ما هي سبل الاستفادة اليوم من موروث الرحلة الحجازية بالمغرب؟

“سؤال مهم جدا… أول ما يتبادر إلى الذهن استفادة بيداغوجية، وأقصد بذلك تمكين المتعلمين في الثانوي التأهيلي من قراءة بعض النصوص الرحلية الحجية في إطار القراءة الحرة. ومن الممكن توفير طبعات خاصة مختصرة مناسبة لسن المتعلمين.

من الناحية الأكاديمية فنصوص الرحلات تشكل مصادر مهمة لمجموعة من الحقول العلمية على رأسها علم التاريخ من أجل دراسة العلاقات بين المشرق والمغرب والصلات الثقافية بينهما فضلا عن دراسة تاريخ الذهنيات، لذلك أصبحنا نلاحظ اهتماما كبيرا من جانب المؤرخين بالرحلات الحجية تحقيقا ودراسة إلى جانب باقي التخصصات الأخرى. وتكاد الرحلة بصفة عامة والرحلة الحجية بصفة خاصة تشكل ملتقى مختلف التخصصات ونقطة تقاطعها.

بالنسبة للمجتمع يمكن للإقبال على قراءة الرحلات الحجية مساعدة القراء على اكتساب معرفة كبيرة بالحج وطرقه في الماضي البعيد والماضي القريب، فمع تنوع المسالك الحجية بين برية وبحرية (وجوية اليوم) يجد القارئ أمامه مائدة متنوعة الأطباق والأصناف سواء على مستوى تطور طرق الحج، أو على مستوى العلاقات الثقافية بين المغرب والمشرق، والتعرف على مجموعة من الأعلام المغاربيين والمشارقة الذين التقى بهم الحجاج المغاربة وتلقوا العلم عن بعضهم، كما يمكنه التعرف على حياة الناس في مجموعة من المناطق التي مر منها ركب الحجاج المغاربة.

وفضلا عن ذلك بإمكان القارئ الاستفادة من مواضيع كثيرة وقضايا هامة تناولها الحجاج مثل قضية الحجر الصحي. بالمجمل فإن للرحلات الحجية دور كبير في مساعدة القراء على فهم جزء من الماضي والتطور الذي حصل”.

تجدر الإشارة إلى الباحث عبد الواحد بنعضرا مختص في التاريخ الأندلسي، حاصل على الدكتوراه في التاريخ الوسيط، له مساهمات علمية عديدة ومؤلفات من بينها كتاب: “رحلة الصفار التطواني إلى فرنسا بين تمثلات المؤلف ورهانات ليون روش” (2019) وكتاب “معركة العقاب ومصير المسلمين في الأندلس” (2024).

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.