26 أبريل 2024

دراسة بحثية أمريكية : الأوراق الرابحة في سياسة المغرب الخارجية

دراسة بحثية أمريكية : الأوراق الرابحة في سياسة المغرب الخارجية

لقد استقطبت السياسة الخارجية المغربية الكثير من الانتباه في الأشهر الأخيرة على ضوء التوتّرات المتزايدة مع بعض الدول الأوربية بسبب مواقفها المتذبذة من الصحراء المغربية و مزيد من التقارب مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة ومواقف أقوى إزاء انخراط المملكة في عملية السلام الليبية . ويقول البعض إنّ اعتراف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة المغربية على صحراءه  قد منح صانعي القرارات في المملكة المزيد من الثقة، و هو تطور قوي و نقلة نوعية في الواقع للسياسة الخارجية و الدبلوماسية للمملكة المغربية  .

مع توتر علاقات المغرب مع بعض شركائه التقليديين في أوروبا بسبب مواقفهم من الصحراء المغربية و ترسيم الحدود البحرية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ، سعى صانعو القرارات فيه إلى ترسيخ موقع المملكة إقليمياً ودولياً من خلال ثلاث استراتيجيات تهدف إلى تعزيز مصالحها الدبلوماسية والسياسية والأمنية والاقتصادية، ألا وهي تنويع الشراكات الدولية لتفادي الاتكال الزائد على الشركاء التقليديين والخضوع لمطالبهم وجذب الاستثمارات من آسيا وأوروبا عبر تحويل المملكة إلى مركز مالي وتجاري أفريقي ووضع المملكة في موقع يجعلها شريكاً أمنياً إقليمياً ومزوداً للاستقرار ووسيطا عبر الانخراط في عملية السلام الليبية وعبر إعادة العلاقات مع إسرائيل .

“الاستثمار في أفريقيا ”

منذ العام 2016، رسّخ المغرب حضوره الاقتصادي والدبلوماسي في أفريقيا جنوب الصحراء. فزادت الشركات المغربية من تعاونها مع نظيراتها في جنوب الصحراء في عدّة قطاعات، أبرزها في الاتّصالات والتأمين والعمل المصرفي والتصنيع. في الواقع، على مدى فترة عشرة أعوام، (بين العامَين 2008 و2018)، ارتفع التبادل التجاري المغربي الأفريقي بنسبة 68 في المئة، وفي العام 2018، رُصدت نسبة 85 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة المغربية لدول جنوب الصحراء. وفي العام 2017، عادت المملكة للانضمام إلى الاتّحاد الأفريقي بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انسحابها منها احتجاجاً على انضمام جبهة البوليساريو  إليه .

ولن يعزّز انخراط المغرب في المنطقة اقتصاده وينوّع قاعدة تحالفاته فحسب، بل سيجعل منه أيضاً بوّابة الغرب والصين إلى أفريقيا، مما يفسح في المجال أمام تعاون وصفقات تجارية ثلاثية. في الواقع، يرتبط التعاون الاقتصادي مع أفريقيا جنوب الصحراء بالخطوات التي قامت بها الرباط لإنشاء صلات أوثق بالصين على مدى السنوات الخمسة الماضية. ففي السنة نفسها التي انضمّ فيها المغرب إلى الاتّحاد الأفريقي من جديد، فتح بنك الصين فرعه الأول في المغرب، فيما فتح بنك أفريقيا المغربي فرعاً له في شنغهاي. ويهدف صانعو القرارات المغربيون إلى تحويل الدار البيضاء إلى مركز مالي مهم في القارة الأفريقية، وتسعى المؤسّسات المالية الصينية إلى إدارة نشاطاتها في الأسواق الأفريقية انطلاقاً من تلك المدينة.

وبسبب قرْب المغرب من أوروبا، تسعى الصين أيضاً إلى إنشاء مصانع في المملكة لتصنيع البضائع التي يمكن تصديرها إلى أوروبا. علاوة على ذلك، تنخرط شركات البناء الصينية في مشروع طنجة المتوسط، وهو ميناء صناعي بقيمة عشرة مليارات دولار يجري تشييده في شمال المغرب وهو الميناء الأكبر في أفريقيا. ويعود جزء كبير من سبب نجاح علاقة المغرب بالصين إلى أنّها لم تسعَ للتدخّل في شؤون المملكة الداخلية، على عكس أوروبا.

“جهود الوساطة في ليبيا”

وفي خطوة أخرى لتعزيز مكانة المملكة الدولية، يركّز صانعو القرارات الدبلوماسية على جعل المملكة مزوّد استقرار ووسيطاً في المنطقة، ولا سيّما في ليبيا. فقد تمّ توقيع اتفاقية الصخيرات التي أفضت إلى الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني على أنّها السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا في المغرب في العام 2015. وفي إشارة إلى العمليات الدولية على ما يبدو، على غرار مؤتمر برلين، يحثّ صانعو القرارات المغاربة باستمرار على الحوار بين الفصائل الليبية، واصفين موقفهم إزاء ليبيا بالحياد النشط الذي يسعى إلى تسهيل التواصل بين الفرقاء الليبيين كافّة.

“الاستنتاجات والتطلّعات: سياسة أكثر ثقة”

في المستقبل  من المرجّح أن تستمرّ الدولة في المحافظة على حيادها في عدّة ملفّات في السياسة الخارجية، من بينها الأزمات الإقليمية. ومع ازدياد ثقة صانعي القرارات بفضل النجاحات الدبلوماسية الأخيرة، يبدو أنّه من المستبعد أكثر أن يخضعوا للضغوط الدولية ومن المرجّح أكثر أن يتشدّدوا بمواقفهم، ولا سيّما إزاء أوروبا. فمع أنّه من المتوقّع أن تعمل الدولة على المحافظة على علاقاتها المتينة مع الاتّحاد الأوروبي، سوف تكون صارمة أكثر في الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها.

 

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام سوف تسعى الدولة جاهدة لتُصوِّر نفسها على أنّها ميسّر محايد لكسب الدعم الدولي والإقليمي ولفتح الباب أمام التعاون الدبلوماسي والاقتصادي المستقبلي. كذلك سوف تعمّق الرباط صلاتها ذات المنفعة المتبادلة مع أفريقيا جنوب الصحراء، فتجعل نفسها شريكاً أكثر جاذبية للصين وأوروبا. أما من الناحية الأمنية، فسوف تعزّز انخراطها في منطقة الساحل حيث ستصدّر الأمن وتحاول احتواء النشاط الإرهابي. وفي ما يخص عملية السلام في الشرق الأوسط ، من المستبعد أن تتراجع الدولة عن الاتفاقية مع إسرائيل وسوف تقدّم نفسها كمسهّل حوارات محتمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين  .

المصدر : Brookings


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.