أبرز مشاركون في جلسة علمية عقدت، أمس الاثنين في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من “ملتقى الشارقة الدولي للراوي”، الأهمية والمكانة التي تحظى بها الرحلة في الموروث العربي، باعتبارها من روافد المعرفة والوصف والتوثيق التي بصمت بقوة تاريخ المنطقة.
وناقشوا خلال هذه الجلسة، التي نظمت تحت عنوان “تقاليد السفر وآداب الرحلة في الموروث العربي”، ظاهرة الرحلة ورصدوا سماتها وما تحفل به من معارف ومضامين علمية وإثنوغرافية متنوعة، ما جعلها شاهدا على العديد من التحولات التاريخية والاجتماعية والثقافية والحضارية.
وفي هذا الصدد، قالت رئيسة الأكاديمية الدولية (مغرب الحكايات للتراث الثقافي اللامادي)، نجيمة طاي طاي، إن الرحلة، التي تعد من المواضيع الشائعة في الحكايات الخرافية المغربية، تحمل دلالة سيميائية عميقة، باعتبار أنها لا تمثل مجرد انتقال مكاني، بل ترمز إلى عمليات التحول النفسي والاجتماعي، مثل التغيير والنمو والتطور والبحث عن الذات.
وتناولت السيدة طاي طاي، في مداخلتها، ظاهرة الرحلة في حكاية “أونامير”، المستمدة من التراث المغربي العريق، وعملت على تحليل دلالتها السيميائية من خلال استقراء الرموز والمكونات الدالة المرتبطة بالرحلة ضمن السياق الثقافي المغربي.
وأبرزت أن أهمية التحليل السيميائي للرحلة، باعتبارها موضوعا مركبا ومتعدد الأوجه في الحكاية، تكمن في إمكانية الكشف عن الطبقات الرمزية والثقافية التي تتداخل فيها معايير وقوانين مختلفة أو متناقضة، تعبر من خلالها الحكاية عن الوعي الجماعي وتسهم في بناء الهوية الثقافية المغربية.
وخلصت إلى أن الدراسة السيميائية للرحلة تساهم بشكل كبير في فهم أعمق للقيم والمعاني والمضامين التي تستقر في صلب الحكايات الخرافية المغربية.
من جهته، قال أستاذ الدراسات الأدبية والنقدية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة حلوان، أحمد بهي الدين، إن خطاب الرحلة في الثقافة العربية يعد رافدا معرفيا وأدبيا بالغ الأثر، لافتا إلى أن مؤلفي السير والتاريخ والأسفار ساهموا في تدوين قصص وحكايات انطوت على وجدان جمعي، مما جعله منفتحا على آفاق الذاكرة الإنسانية والمعرفة والتجربة والدهشة.
وأضاف أن نصوص الرحلة ارتقت، بذلك، إلى منزلة المتن الثقافي المعبر عن روح عصرها، بل وربما عن عصور سابقة، إذ جابت فضاءات شتى، وتأملت أحوال جماعات بشرية، ووثقت ما عاينه الرحالة أو تناقلوه سماعا، فشكلت نصا ملهما يجمع بين الغريب والعجيب، ويصهر الحكاية بالتاريخ، في لغة جمعت بين فن السرد وطرائق التأمل والاستقراء.
وأبرز أن متون الرحلة تبوأت مكانة بارزة في الثقافة العربية، حتى غدت نصوصها أداة معرفية، منذ القرن الثالث الهجري وما تلاه، على أيدي أعلام من رحالة وجغرافيين وعلماء ومتصوفة، من أمثال المسعودي، والإدريسي، وابن بطوطة، وابن فضلان، والبيروني، وغيرهم.
وأشار إلى أن مفهوم الرحلة في التراث العربي يتجاوز حدود الارتحال المكاني ليشمل كذلك الرحلة المجازية أو الذهنية، وهو ما منح نصوصها طابعا إلهاميا ربما امتد أثره إلى آليات اعتمدها المستشرقون لاحقا في سعيهم نحو استكشاف الشرق.
وتتواصل فعاليات الدورة الـ 25 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي إلى غاية 26 شتنبر الجاري، تحت شعار “حكايات الرحالة”، بمشاركة أكثر من 120 راويا وخبيرا وباحثا وإعلاميا من 37 بلدا، من بينها المغرب.
وتعد هذه التظاهرة الثقافية الدولية، التي ينظمها معهد الشارقة للتراث، منصة رفيعة لاستعراض غنى وتنوع الثقافة الشعبية، وإبراز الأهمية التي يضطلع بها أهمية التراث الشفهي في حفظ الهوية الوطنية والمقومات الحضارية والثقافية.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.