سلطت ندوة دولية، اليوم الأربعاء بالرباط، حول موضوع “الترجمة والأمن: دور الترجمة في تعزيز الأمن الوطني والدولي”، الضوء على الترجمة كأداة حيوية لتيسير التواصل والتنسيق بين الدول والمؤسسات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وشكلت هذه الندوة، التي تنظمها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالسعودية، مناسبة لتسليط الضوء على الأدوار المتعددة للترجمة، لاسيما في ما يتعلق بضمان نقل دقيق وسريع للمعلومات الحساسة، سواء في سياق مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، أو في تدبير الأزمات الأمنية الطارئة، مما سيسهم في تعزيز جهود الأمن الوطني والدولي.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد المدير العام للإيسيسكو، سالم بن محمد المالك، أن الترجمة أضحت “قوة ناعمة” تساهم في صياغة خطاب الأمن العالمي، وتحقيق التفاهم بين الشعوب، مبرزا أن “تحقيق الأمن في العصر الراهن يستدعي فضاءات ثقافية آمنة، تحتضن التنوع اللغوي وتعزز قيم التفاهم المشترك”.
وأوضح أن الترجمة الآلية، وإن كانت تتيح إمكانيات هائلة من حيث السرعة والوصول، إلا أن الاعتماد الكلي عليها قد يؤدي إلى تحريف المعاني والمقاصد، مما قد يخل بالأمن المعلوماتي والثقافي.
وأشار، في هذا السياق، إلى أن الإيسيسكو أنشأت مركزا خاصا بالترجمة والنشر، يضطلع بمهمة إنتاج ترجمات دقيقة تراعي الخصوصيات الثقافية والأمنية، وتسهم في ترسيخ الفهم العميق للنصوص والمفاهيم، مؤكدا أن هذا المركز سيطلق مبادرات نوعية تهدف إلى نقل المعارف والبحوث إلى لغات متعددة، بما يعزز الحضور الثقافي للعالم الإسلامي على الساحة الدولية.
من جهته، أبرز المراقب العام، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أبو بكر سبيك، أهمية الترجمة في كافة مسارات التعاون الأمني والقضائي الدولي، من قبيل تسليم المطلوبين، وتعميم مذكرات الاعتقال الدولية، وتنفيذ الإنابات القضائية، وغيرها من آليات التعاون المشترك.
وأوضح السيد سبيك، في كلمة باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن الترجمة في هذا السياق لا تقتصر على النقل اللغوي، بل تتطلب دقة متناهية ومهارات عالية، نظرا لحساسية المعلومات المتبادلة التي قد تترتب عنها مسؤوليات قانونية جسيمة، مشددا على أن الدقة في الترجمة من شأنها أن تساهم في تحييد التهديدات الأمنية وتعزيز الاستقرار.
وفي معرض حديثه عن أثر التكنولوجيا، أشار السيد سبيك إلى أن الأمن والترجمة على حد سواء استفادا من تطور الوسائل الرقمية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، في معالجة كم هائل من البيانات والنصوص بسرعة فائقة، مضيفا أن الاعتماد على هذه التكنولوجيا لا يغني عن الإشراف البشري، لاسيما في المجالات الدقيقة مثل الأمن والقضاء، نظرا لعدم قدرة الخوارزميات على محاكاة العقل البشري في استيعاب المقاصد الدقيقة للسياقات.
من جانبه، أبرز أمين المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ووكيل الجامعة للعلاقات الخارجية، خالد بن عبد العزيز الحرفش، أن الجامعة أطلقت “مبادرة الترجمة الأمنية” ضمن استراتيجيتها البحثية الرامية إلى دعم السياسات الأمنية المبنية على الأدلة العلمية.
وذكر أن هذه المبادرة أخذت بعين الاعتبار محدودية المراجع العلمية المتاحة باللغة العربية في مجال التعليم الأمني، مضيفا أن الجامعة حرصت على اعتماد ترجمات لكتب تدرس في أعرق مؤسسات التكوين الأمني العالمية، وذلك في إطار جهودها المستمرة للارتقاء بالمضامين الأكاديمية والتدريبية.
ويتضمن برنامج هذه الندوة محاور رئيسية تناقش “دور الترجمة في مواجهة القضايا الأمنية وتعزيز الأمن الوطني والدولي”، و”الشراكة الاستراتيجية بين المؤسسات الأمنية وخبراء الترجمة والمنظمات الدولية”، و”التحديات اللغوية والثقافية في الترجمة الأمنية”، و”الترجمة الأمنية وتحديات التطور الرقمي”، و”الترجمة والأمن السيبراني”.
وتم بهذه المناسبة التوقيع على مذكرة تفاهم بين مركز الترجمة والنشر، ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة، بهدف تعزيز التعاون العلمي والتدريب المتبادل، والنهوض بحركة الترجمة على المستويين الإقليمي والدولي، في سبيل نشر المعرفة ودعم الكفاءات في مجال الترجمة المتخصصة.
وتهدف الندوة، المنظمة على مدى يومين، إلى إبراز أهمية الترجمة في تحسين التواصل بين الدول والمنظمات الدولية، والرفع من مستوى الوعي بأدوارها في التصدي للتهديدات الرقمية والسيبرانية، مع مناقشة الإشكالات اللغوية والثقافية المرتبطة بترجمة المضامين ذات الطابع الأمني، وكذا تعزيز التعاون الدولي في مجال الترجمة لمواجهة التحديات الأمنية العالمية المشتركة.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.