03 يوليو 2025

“تلك القبضة المباركة”.. أسطورة بونو تتجذر من مونديال لآخر

Maroc24 | رياضة |  
“تلك القبضة المباركة”.. أسطورة بونو تتجذر من مونديال لآخر

لا يقنع الأبطال الحقيقيون بدور وحيد في شريط المجد، بل يسعون الى وشم عميق في الذاكرة من خلال تحويل الإنجاز إلى تقليد يرتبط بحضورهم اللامع محطة بعد أخرى، واختبارا بعد آخر، تبديدا لأي اقتران بالصدفة أو الحظ.

في كل حدث رياضي أو فني أو غيرهما، ثمة مشاهد رئيسية “ماستر سين” يستعيدها الجمهور سنين عددا، خلاصة استمتاع متجدد بالعرض، ولذة مضاعفة تخلد لحظات فارقة. من تصدي الحارس الإنجليزي بانكس لرأسية بيلي، إلى تصديات عابرة للأجيال لعمالقة من قبيل ياشين وبوفون وكاسياس ونوير، ولج تدخل الحارس بونو أمام لاعب مانشستر سيتي سافينيو محراب الصور الخالدة. في قلب الصدى العالمي للمفاجأة التي حققها الهلال بإقصائه لفريق غوارديولا في دور ثمن نهائي مونديال الأندية، كانت صور تلك “القبضة المباركة” التي أوقفت هجمة كانت ستقتل المباراة، تجول وسائط التواصل الاجتماعي، التي انهالت بكل اللغات مديحا وإعجابا بالأداء الخارق للحارس المغربي. عشر تصديات معظمها داخل منطقة الجزاء، بثت الثقة في نفوس الهلاليين وحفزتهم على الإيمان بالقدرة على تحقيق المستحيل، الذي أصبح إنجازا تاريخيا يعد بونو أحد صناعه الرواد.

حين خرجت ماركا الاسبانية الواسعة الانتشار بعنوان عريض يرجح أن يكون بونو أفضل حارس في صد ضربات الجزاء في العالم، كانت ترتسم في ذاكرة المحرر محطات مشعة تشمل على الأقل تصديين منحا اشبيلية لقب كأس الاتحاد الأوروبي، وأخريين منحا أسود الأطلس تأهلا تاريخيا في مونديال قطر على حساب المنتخب الاسباني العتيد، وصولا الى اعتراض تسديدة فالفيردي التي كانت ستنذر بمسار مغاير لفريق الهلال السعودي في المونديال المقام بالولايات المتحدة.

في آخر دقائق المواجهة بين الهلال وريال مدريد، كان المعلق الفرنسي يستشعر حرارة اللحظة وهو يتساءل هل سيفعلها المتخصص بونو مجددا، ليصيح بعد نجاح الوثبة البطولية: لقد فعلها، لا صدفة في الأمر. إنه رائع.

أبقى ياسين بونو فريقه في مضمار المنافسة على اجتياز دور المجموعات، وكرس أداءه الرفيع في المباراتين التاليتين مع سالزبورغ، حيث اختير أفضل لاعب في اللقاء ثم باتشوكا. وكان وعد ياسين لجماهير فريقه والجماهير العربية حقا حين وعد بالذهاب الى أقصى نقطة، أمام فريق مدجج بأفضل نجوم العالم. علل غوارديولا الإخفاق بالتصديات المذهلة لياسين، وذهب فابريزيو رومانو الى وصف بونو ب “المجنون”، أما الفيفا فعلق في حسابه الخاص بمونديال الأندية على تويتر، “حين لا يعود هناك أمل، هناك بونو”.

ببساطة وحسم، “لا أتذكر تصديا مماثلا بهذا التشكيل الجسماني في تاريخ الكرة”، يقول الحارس المصري الشهير أحمد شوبير وهو يفكك في برنامجه على قناة “الأهلي” بمتوالية من الصور الثابتة براعة التدخل الاستثنائي أمام هدف محقق.

لكن هل تختزل ردود الفعل السريعة للحارس بونو في صد التسديدات من داخل أو خارج منطقة الجزاء كامل عطاء أسد الأطلس. حارس المرمى هو مركز الثقل الحاسم في تركيبة أي فريق كرة يروم المنافسة على الألقاب. الشخصية والتأثير على الزملاء وترتيب أوراق الدفاع وشحذ العزائم في لحظات الشك، أوراق حيوية يمسك بها الحارس المحنك الذي يلهم “قوة ناعمة” بهدوء استثنائي وملامح مطمئنة لا تهزها حرارة الأوقات الصعبة…وعدوى التفاؤل الذي لا يفارقه.

أما في هلال المدرب الجديد إنزاغي، فإن أداء ياسين بونو سجل خانة إضافية لأدائه الإيجابي بالنسبة لمدير فني يراهن على البناء من الخلف، على غرار أيامه مع أنتر ميلانو. هنا، برز ياسين بونو بقدرته على التكيف ولعب دور المدافع الأول الذي يطلق العمليات بتمريرات بالقدم على الأظهرة أو بين الخطوط بمرونة وتحكم في منطقة عالية الخطورة.

لكن التفاعل الجماهيري الواسع مع إنجازات ياسين بونو في صفوف جماهير الكرة في العالم العربي يتجاوز الأداء الرياضي في المستطيل الأخضر. في الاستوديوهات التحليلية للقنوات الفضائية والرقمية، أو في النقاشات العامة على صفحات التواصل الاجتماعي، من المغرب العربي، الى مصر والشام وصولا الى الخليج، تحضر قيمة أخرى يصنعها الخلق الرياضي والسلوك الإنساني الذي يحقق الاجماع على شخصية تفرض الاحترام.

“ديما ديما بونو” بات يرددها العرب والعجم احتفاء ببطل يرفع بجدارة علم مغرب ينجب الأبطال جيلا بعد جيل. ذلك أن ياسين بونو يحرص على الاعتزاز بكونه سليل شجرة أثمرت علال والهزاز ومدت أغصانها الى العالم حين سطع نجم بادو الزاكي، المعلم الأول لياسين، وقدوته العليا.

من مونديال قطر بقميص أسود الأطلس، الى مونديال أمريكا بشعار الهلال السعودي، يوصد ياسين الباب أمام احتمال النسيان والتقادم. من أسطورة إلى أخرى، يستوطن الشاب البيضاوي رواق الخالدين في تاريخ كرة القدم العالمية. لكن السجل الذهبي لم يغلق بعد، وياسين يعي ذلك، أكثر وأكثر، كلما دنا موعد كروي يتطلع اليه المغاربة بأمل وثقة.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.