18 أبريل 2024

تنظيم العملات الرقمية.. نقاش محتدم في الولايات المتحدة

Maroc24 | اقتصاد |  
تنظيم العملات الرقمية.. نقاش محتدم في الولايات المتحدة

لا تزال العملات المشفرة خارجة عن سيطرة الحكومات والبنوك المركزية. فقد دفع صعودها الصاروخي في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما المخاطر المرتبطة بطبيعتها المتقلبة وإمكانية التلاعب بها من خلال أعمال القرصنة أو أنشطة غسيل الأموال أو عن طريق الأخطاء في غياب إطار قانوني، بالسلطات المالية الأمريكية للنظر في وضع قوانين تنظيمية للقطاع.

وهكذا، دعت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إلى إخضاع صناعة التشفير لقواعد والرقابة التنظيمية الفيدرالية ذاتها التي يخضع لها النظام المالي التقليدي، وهي دعوة تتوخى الإجابة عن التساؤل حول ماهية العملة المشفرة ولماذا تريد السلطات المالية تنظيم الأصول الرقمية بأي ثمن؟

ويبدو أن أيام السوق الحرة حيث تحركات العملات المشفرة دون قيود تقترب من نهايتها، لا سيما أن الرئيس جو بايدن وقع، في مارس الماضي، أمرا تنفيذيا يوجه الوكالات الفيدرالية الأمريكية إلى تنفيذ سياسة لتقنين الأصول الرقمية مثل العملات المشفرة.

وفي هذا الصدد، تعهدت وزيرة الخزانة، في كلمة لها خلال مؤتمر عقد مؤخرا في الجامعة الأمريكية بواشنطن، بالعمل مع البيت الأبيض والوكالات الأخرى خلال الأشهر الستة المقبلة، لوضع توصيات حول كيفية تنظيم هذه الأصول.

وأمام هذا الواقع الجديد، لا يزال الكثيرون يجهلون طبيعة العملات المشفرة، ناهيك عن سبب قرار الحكومة إدخالهم في نطاق التقنين.

وحسب ميسم بهرافيش، مؤسس شركة للعملات المشفرة في السويد، فإن الأصل الرقمي هو “كل ما يتوفر على قيمة، يتم إنتاجه وتخزينه بشكل رقمي أو عبر الإنترنت من خلال تقنية -بلوكتشين- وعن طريق المعلوميات”.

وأوضح المتحدث، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأصول الرقمية يمكن أن تشمل “العملات المشفرة أو العملات المعدنية وكل تلك الرموز التي لا تخضع لأي سيطرة حكومية أو سلطة تنظيمية من البنك المركزي”.

كما يمكن أن تشير أيضا إلى العملات الرقمية التي تصدرها وتتحكم فيها الحكومة (أي الوطنية). يوجد الآن المئات من العملات المشفرة، مثل بيتكوين و إيثريوم، والتي يتم تداولها في منصات تبادل العملات المشفرة في جميع أنحاء العالم.

وأكد بهرافيش أن هذه العملات المشفرة تمثل الآن أكثر من 2 تريليون دولار من الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن احتمالية الاضطراب تصبح هائلة في هذه الحالة، خاصة وأن التاريخ القصير لهذه العملات قد اتسم إلى اليوم بالتقلب الشديد بين الارتفاع والهبوط.

وتابع قائلا “مع انتشار هذه القيمة السوقية الضخمة عبر التراب الوطني، تحاول الحكومات تقليل الآثار التي تزعزع استقرار الاقتصادات الوطنية المعنية والاستفادة من المصدر الجديد للثروة والقيمة اللامركزية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع”.

وبالنسبة لروزانا مايرز، رئيسة شركة تكنولوجيا في كاليفورنيا وخبيرة في تعدين العملات المشفرة، “يمكن أن تمثل العملة المشفرة والتكنولوجيا التي تقف وراءها مصدرا للاضطراب ومجالا للفرص بالنسبة للدول والبنوك الوطنية”.

وقالت لوكالة المغرب العربي للأنباء، “ما لا يدركه معظم الناس هو أن هناك الكثير من الفرص بعيدا عن الاستثمار. كل يوم، تظهر مئات المشاريع من جميع أنحاء العالم ولديها الإمكانات لتنمو أضعافا مضاعفة”.

وأضافت السيدة مايرز أن أحد جوانب العملة المشفرة تكمن في القدرة على “التعدين” على الويب.

وأبرزت أن “التعدين هو محرك الأمان والتحقق من سلاسل بلوكتشين”، مشيرة إلى أنه يتم، بهذه الطريقة، إنشاء الرموز المميزة الجديدة، مثل البيتكوين، والمصادقة على المعاملات بشكل آمن حتى تتمكن الشبكة من العمل والنمو. وبالنسبة لسلسلة بلوكتشين، يتم ذلك باستخدام أجهزة الكمبيوتر القوية التي تعمل دون توقف، وتحل الألغاز الرياضية المعقدة لكتابة وتأمين معاملات جديدة.

ومع ذلك، أشارت إلى أنه “لا تعتمد جميع المشاريع على تعدين العملات المشفرة ولا تنجح جميعها”، مضيفة أن التعدين يدعم الكثير من البنى التحتية الحالية لأنه يتحقق من صحة بلوكتشين ويؤمنه. “إنها طريقة رائعة لكسب دخل سلبي نسبيا أثناء دعم الشبكات”.

وسجلت الخبيرة أن 1.7 مليار من البالغين في جميع أنحاء العالم “لا يتعاملون مع البنوك، مما يعني أنهم لا يستطيعون الوصول إلى الأنظمة المالية للادخار أو الاقتراض أو استثمار أموالهم، ولا يمكنهم حماية الثروة أو زيادتها”، مبرزة أن عملية التشفير تساهم في “تغيير كل ذلك، لأنها تسمح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت بالوصول إلى الخدمات المالية”.

وأبرزت في هذا الصدد التأثير الهائل لهذه العملية، مضيفة أن أوكرانيا جمعت مؤخرا أكثر من 60 مليون دولار من مانحين خاصين من خلال قبول التبرعات بالعملات المشفرة.

وقالت إن الإطار التنظيمي والبنية التحتية لهذه العملات في طور النضج، مما يعني أن السؤال لم يعد يتعلق بما إذا كان التشفير سيستمر، ولكن كيف ستتم مراقبته وفرض ضرائب عليه، مضيفة أن الولايات المتحدة أصبحت، في الآونة الأخيرة، العاصمة العالمية لـ”التعدين” بعد أن وضعت الصين الشركات العاملة في هذا القطاع على قائمة الأنشطة المحظورة، لأسباب مالية وبيئية.

وتابعت مايرز بالقول “لقد تطورت تكساس لتصبح مركزا رئيسيا، إذ أن أحد أهم العوامل [للتعدين الناجح] هو انخفاض تكلفة الطاقة. شركتي اختارت استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة ووجدت أن الطاقة الكهرومائية اقتصادية للغاية”.

وتتطلع ولايات أخرى إلى العملات المشفرة مثل وايومنغ التي مهدت الطريق للتو للعملات الافتراضية، حيث صادقت الولاية على مشروع قانون هو الأول من نوعه من شأنه أن يسمح لها بقبول مدفوعات الضرائب في شكل عملات رقمية، وهو ما ترغب أريزونا في اعتماده بدورها.

من جهته، أكد مصطفى بلخياط، الخبير المالي وكبير الاستراتيجيين في “سبرينغبوكس أي آي فينتش”، ومقرها في دبي، أن عالم الأصول الرقمية يوفر “إمكانات هائلة لجميع البلدان”.

وردا على سؤال لوكالة المغرب العربي للأنباء حول مستقبل العملات المشفرة، قال إنه “لا شيء يمكن أن يوقف تقدم هذه العملات”.

وعلى غرار السلطات في عدد كبير من البلدان، شددت وزيرة الخزانة الأمريكية، مع ذلك، على ضرورة “بلورة الأطر التنظيمية لدعم الابتكار المسؤول مع التحكم في المخاطر، لا سيما تلك التي يمكن أن تعطل النظام المالي والاقتصاد بشكل عام”.

وفي هذا السياق، يدعو صندوق النقد الدولي إلى اعتماد “معايير دولية شاملة” تعالج المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي لأصول التشفير والنظام البيئي المرتبط بها والمعاملات ذات الصلة، مع تعزيز بيئة ملائمة للمنتجات والتطبيقات المفيدة لهذه الأصول.

كما توصي مؤسسة بريتون وودز بضرورة إرساء تقنين عالمي للعملات المشفرة يكون شاملا ومتسقا ومنسقا.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.