تستعد كوت ديفوار لتنظيم الانتخابات الرئاسية في 25 أكتوبر المقبل، في استحقاق يوصف بالحاسم والاستراتيجي على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
فعلى الصعيد الوطني، ينتظر أن تعزز هذه الانتخابات المكانة التي تحتلها كوت ديفوار منذ نحو خمسة عشر عاما كقاطرة للتنمية الاقتصادية، بفضل الثقة المتجددة للمستثمرين الأجانب الذين اختاروا الاستقرار بها لمزاولة أعمالهم.
كما يشهد البلد دينامية واسعة من المشاريع الكبرى في مجالات البنية التحتية والطرق، إضافة إلى آلاف المشاريع الاجتماعية التي تهم التعليم والصحة وتشغيل الشباب ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وقد بات هذا النمو الملموس مصدر فخر للإيفواريين، الذين يسعون إلى الحفاظ عليه بعد أن طوت بلادهم صفحة أزمات سياسية-عسكرية مؤلمة، أبرزها أزمة 2002 وأحداث ما بعد الانتخابات عامي 2010 و 2011 التي أودت بحياة نحو 3.000 شخص، حسب الأرقام الرسمية.
إقليميا، تبرز كوت ديفوار كواحة استقرار وأمن في منطقة تواجه تحديات متنامية مرتبطة بالإرهاب والجريمة العابرة للحدود والتغيرات المناخية.
وتؤكد أرقام البنك الدولي أن البلاد تواصل لعب دور محوري كقطب اقتصادي إقليمي، ووجهة للعديد من مواطني بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مدفوعة بنمو اقتصادي إيجابي وصمود في مواجهة جائحة كوفيد-19.
وسجلت كوت ديفوار، رغم التقلبات العالمية، متوسط نمو للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 6,5 في المائة بين سنتي 2021 و2023، وهو معدل يفوق متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي إقليميا و دوليا،بالرغم من تسجيله انخفاضا ما قبل جائحة كوفيد-19. هذا ما جعلها ضمن أكبر عشر اقتصادات إفريقية، محتلة المرتبة التاسعة قبل تانزانيا، وأول قوة اقتصادية في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا بنسبة مساهمة تناهز 40 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.
أما على المستوى الدولي، تحظى الانتخابات المقبلة باهتمام واسع من منظمات وهيئات دولية ومراقبين، بالنظر إلى ما تتمتع به كوت ديفوار من صدى دولي ومكانة حيوية لاستقرار المنطقة بأسرها.
وقد تجسد هذا الاهتمام في توالي بعثات المتابعة والمراقبة التي أوفدت هذا العام إلى كوت ديفوار، خاصة من قبل الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ومؤخرا من الأمم المتحدة، قصد الاطلاع على الوضع السياسي والاستعدادات الجارية لضمان إجراء انتخابات على نحو سلمي و سلس.
وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا والساحل، ليوناردو سانتوس سيماو، على أهمية الحفاظ على مناخ الاستقرار والسلم الذي يميز البلاد، مشيدا بالدور الذي تضطلع به كوت ديفوار في حفظ الاستقرار السياسي الاقليمي.
وكان الرئيس المنتهية ولايته، الحسن واتارا، رئيس حزب تجمع الهوفويتيين من أجل الديمقراطية والسلم (RHDP)، قد أعلن ترشحه في 29 يوليوز الماضي، مبررا قراره بأن البلاد تواجه تحديات أمنية واقتصادية ونقدية غير مسبوقة تستدعي الخبرة في التدبير.
وبينما ترفض المعارضة هذا الترشح في خرجات إعلامية وتطالب بالتغيير والتداول الجيلي على السلطة، تتصاعد دعوات داخلية واسعة إلى التمسك بالسلم الاجتماعي وتفادي تكرار “أخطاء” الماضي، و عدم تعريض سلام واستقرار البلاد للخطر.
وقد زادت هذه التوترات عقب قرار المجلس الدستوري في الثامن من شتنبر باعتماد خمس ترشيحات فقط من أصل 60، مما استبعد بعض أبرز المعارضين، غير أن الرئيس واتارا جدد التأكيد على أن مؤسسات الجمهورية تعمل بشكل طبيعي وتتمتع ب”السيادة “و “الاستقلالية” في قراراتها، مشددا على التزامه بالحفاظ على السلم والاستقرار في بلد يعاني منذ زمن طويل من الازمات السياسية-العسكرية المأساوية.
وعلى الصعيدين البشري واللوجستيكي، تشير السلطات الإيفوارية إلى أن المؤسسات المكلفة بالعملية الانتخابية، وبالتنسيق مع أجهزة الأمن والدفاع، اعتمدت سلسلة من التدابير الرامية إلى تأمين مراكز الاقتراع وتمكين الناخبين من أداء واجبهم الوطني في أفضل الظروف، مع الحرص على الحفاظ على الأمن.
ومن المقرر تعبئة نحو 44.000 عنصر من مختلف أسلاك الأمن والدفاع لتأمين الاستحقاق الانتخابي المقبل في أكتوبر، وذلك في إطار عملية تمتد من 4 أكتوبر إلى 5 من نونبر القادم.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.