شهد مطار هيثرو في لندن نهاية الأسبوع الماضي اضطرابات كبيرة في حركة الملاحة الجوية، ما تسبب في ارتباك مئات المسافرين، وذلك إثر هجوم سيبراني استهدف المطار ومطارات أوروبية أخرى، وأدى إلى تعليق عشرات الرحلات.
واستهدفت الهجمات السيبرانية أنظمة تسجيل المسافرين والأمتعة مع بداية ذروة حركة نهاية الأسبوع، في حادث ليس الأول من نوعه ضد البنيات التحتية الحيوية في البلاد.
وفي السياق ذاته، أعلن عملاق صناعة السيارات البريطاني “جاغوار لاند روفر”، يوم الثلاثاء، عن تمديد إغلاق مصانعه إلى غاية فاتح أكتوبر المقبل، وذلك عقب هجوم سيبراني تعرضت له الشركة مطلع شتنبر الجاري.
وأدى هذا الحادث إلى شل أنشطة الشركة ووضع الموردين في موقف صعب. وقالت المجموعة على موقعها الرسمي: “لقد أبلغنا اليوم موردينا وشركاءنا بتمديد تعليق الإنتاج إلى غاية الأربعاء فاتح أكتوبر 2025، وذلك إثر حادث سيبراني”.
وأفادت شركة “جاغوار لاند روفر” بأن فرقها تعمل مع خبراء في الأمن السيبراني، والمركز الوطني للأمن السيبراني والمصالح الأمنية من أجل معالجة الوضع بسرعة.
ولم تسلم مؤسسات حيوية أخرى من هذه الهجمات، إذ است هدف كل من “ترانسبورت فور لندن” (TfL)، المشغل الرئيسي لشبكة النقل في العاصمة البريطانية، وخدمة الصحة الوطنية، إضافة إلى كبريات العلامات التجارية بما في ذلك “هارودز”.
وفي مارس الماضي، تعرضت وزارة الدفاع لهجوم سيبراني أدى إلى تسريب كلمات المرور الخاصة بحوالي 600 موظف على شبكة الإنترنت “Dark Web”.
وتكشف النتائج عن خسائر فادحة للقطاع، حيث أظهر تقرير حول قدرة الشركات البريطانية على الصمود في مواجهة الهجمات السيبرانية، نشرته مجموعة التأمين الدولية “هاودن” في نونبر الماضي، أن الشركات في البلاد تكبدت خسائر ت قد ر بحوالي 44 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الهجمات السيبرانية.
ويؤكد التقرير أن الشركات الكبرى التي يتجاوز رقم معاملاتها 100 مليون جنيه إسترليني ت عد الهدف الأكثر استهدافا لهذه الهجمات، حيث أفاد 74 في المائة من المستجوبين من هذه الفئة بأنهم تعرضوا لهجوم سيبراني خلال السنوات الخمس الماضية.
ومع ذلك، فإن مستويات التهديد مرتفعة في جميع الشركات، إذ أقرت 49 في المائة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي يتراوح رقم معاملاتها بين 2 و50 مليون جنيه إسترليني بأنها تعرضت بدورها لهجوم إلكتروني خلال الفترة نفسها.
وتأخذ الحكومة البريطانية ووكالات الأمن في البلاد هذه الهجمات المتكررة على محمل الجد. فقد صر ح بيتر كايل، كاتب الدولة السابق المكلف بالعلوم والابتكار والتكنولوجيا في أبريل الماضي، قائلا: “نحن نواجه تهديدات غير مسبوقة تستهدف بنياتنا التحتية الوطنية الحيوية”.
وأقر بيتر كايل، الذي تولى منصب كاتب الدولة المكلف بالشؤون التجارية عقب التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء كير ستارمر، بأن الأنشطة السيبرانية العدائية أصبحت أكثر كثافة وتكرارا وتعقيدا.
ويصف التقرير السنوي للمركز الوطني للأمن السيبراني لعام 2024 مشهد التهديدات بأنه “مبهم وخطير”، مع استمرار هجمات من قبل جماعات الجريمة الم نظمة و”دول م عادية”.
ووفقا للسيد كايل، فإن الهجمات، التي تستهدف حتى شركات توزيع المياه الصالحة للشرب والهيئات البلدية، تشكل خطرا حقيقيا على “أمننا القومي والاقتصادي وأمن حلفائنا”.
وحذر ريتشارد هورن، المدير العام للمركز الوطني للأمن السيبراني، من أن التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة “لا ت قد ر خطورتها كما ينبغي”، مشددا على الحاجة الملحة إلى تحسين الدفاع وقدرة البنيات التحتية الحيوية على الصمود، وسلاسل الإمداد، والقطاع العام، والاقتصاد بوجه عام.
من جانبه، أكد المكتب الوطني لتدقيق الحسابات على أن الهجمات الإلكترونية التي تهدد مقر الحكومة في وسط لندن، “خطيرة وتتطور بسرعة، محذرا من تفاقم الخطر بسبب استخدام أنظمة معلوماتية متهالكة.
وفي هذا السياق، يتم التركيز على تعزيز المهارات في مجال الأمن السيبراني والمرونة السيبرانية.
وبحسب المكتب الوطني لتدقيق الحسابات، فإن أكثر من نصف الوظائف ضمن فرق الأمن السيبراني في العديد من الإدارات البريطانية كانت شاغرة في عام 2024، وأن 228 نظاما معلوماتيا “متوارثا” و”متهالكا” لا يزال قيد التشغيل.
ويقول غاريث ديفيز، المدير العام للمكتب الوطني لتدقيق الحسابات: “ستظل الحكومة تواجه صعوبة في اللحاق بالركب ما لم تتمكن من معالجة النقص المستمر في الكفاءات في مجال الأمن السيبراني وتعزيز المساءلة أمام المخاطر”.
وأضاف أنه مع تسارع رقمنة كافة الأنشطة، أضحى تعزيز الأمن السيبراني أمرا بالغ الأهمية لمواجهة هذا التحدي الذي أصبح يوميا.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.