24 سبتمبر 2025

الذكاء الاصطناعي في الإعلام.. مساعد “خارق” أم بديل لا يخلو من مخاطر

Maroc24 | دولي |  
الذكاء الاصطناعي في الإعلام.. مساعد “خارق” أم بديل لا يخلو من مخاطر

في سباق محموم، يتنافس عمالقة التكنولوجيا بشراسة لتحقيق الريادة في رسم معالم مستقبل الاتصال والإعلام، من خلال ابتكار تطبيقات قد تبعث أحيانا على الدهشة وغالبا ما تثير سيلا من الأسئلة، حول حدود استخدامها ودورها والتحديات التي تطرحها.

“غوغل تريندز”، ونماذج “جي بي تي إس”، و”ديب سيك”، و”كلود”، و”غروك”، وغيرها من نماذج الذكاء الاصطناعي، تتفنن، يوما بعد آخر، من خلال عدد من الخوارزميات في تطوير أساليب ووتيرة عمل الصحافيين عبر العالم، بفضل ما يميزها من سرعة وتقليص للتكاليف.

فقد باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على إنجاز العديد من المهام، البسيطة منها والمعقدة. إذ في ثوان و بنقرة واحدة يمكن على سبيل المثال توليد محتويات إخبارية كانت تتطلب في السابق ساعات من البحث والتلخيص ثم الكتابة والتنسيق، وكذا رصد ومتابعة المواضيع الرائجة عالميا.

ولا تقتصر مزايا تقنيات الذكاء الاصطناعي على هذه المهام فقط، بل تتنوع بين تحسين الاستخدام الأمثل لطيف ترددات الإذاعة والتصنيف التلقائي للمحتويات والكشف عن المضامين الحساسة، إضافة إلى إنتاج برامج جديدة استنادا إلى كمية هائلة من البيانات المستخرجة من الأرشيف وتحليل سلوكيات الجمهور بشكل أدق.

كما تشمل إنشاء صور وفيديوهات انطلاقا من أوصاف نصية، ومن ثم تقليص الحاجة إلى حصص التصوير المكلفة وجلسات ما بعد الإنتاج.

هذه المزايا المبهرة فتحت شهية مؤسسات إعلامية كبرى لخوض تجربة إنتاج محتويات إخبارية، من مقالات وتحليلات وصور، وتقديمها بحلة أكثر جاذبية، وذلك بهدف الانتقال إلى المجال التطبيقي في التعامل مع هذا النوع من التكنولوجيا وفهم حدودها والفرص التي تتيحها .

– تجارب صحف دولية.. أو استشراف أولى أوجه الجانب المشرق للذكاء الاصطناعي –

في خطوة هي الأولى من نوعها عبر العالم، شرعت صحيفة “إيل فوليو” الإيطالية في إصدار طبعة مولدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، ترمي، بحسب مدير الصحيفة، كلاوديو تشيرازا، “إلى إنعاش الصحافة وليس إلى قتلها”.

العاملون في الصحيفة “استمتعوا” بهذه التجربة التي أصبحت الجريدة بفضلها تصل إلى جمهور أوسع، حيث ارتفعت المبيعات في اليوم الأول بنسبة 60 في المائة. أما القراء، فعبر 90 في المائة منهم عن إعجابهم بالتجربة، فيما عبر 10 في المائة عن شعورهم بالقلق، ودعوا إلى عدم الاستغناء عن الذكاء الطبيعي للبشر.

صحيفة “الإندبندنت” البريطانية لم تتردد من جهتها في خوض تجربة إعداد ملخصات عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، لكن دون تبخيس المراجعة البشرية، فيما طورت يومية “واشنطن بوست” خدمة للدردشة التفاعلية مع القراء.

وفي مقابل الضجة العالمية التي تثيرها النماذج الذكية، تؤكد دراسة أجراها المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري حول “الذكاء الاصطناعي والإنتاج السمعي البصري والرقمي بالمغرب”، أن أغلب المهنيين في هذه المجالات يعترفون بأن “مستوى استعدادهم لاستخدام الذكاء الاصطناعي ما يزال محدودا”، رغم إدراكهم العميق لما يحمله من تحولات جذرية في أساليب العمل.

وفي هذا السياق، قالت السيدة نرجس الرغاي، عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، إن هذه الدراسة التي أجريت على عينة كبيرة من الإعلاميين والخبراء تشير إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي في الممارسة الصحفية “يظل صعبا في ظل غياب بيئة مؤسساتية مؤهلة وتكوين مكثف حول استخدام الأدوات الرقمية الحديثة”.

وأوضحت السيدة الرغاي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن بعض الإعلاميين يعتبرون أن “المؤسسات التي يعملون بها في حاجة إلى وقت للتكيف مع هذه التكنولوجيا الجديدة والتدرب على استخدامها قبل إدماجها”.

– عوائق وتحديات –

وفقا للسيدة الرغاي، فإن إدراج الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في وسائل الإعلام بالمغرب تعيقه تحديات متعددة: غياب تشريعات قانونية واضحة تؤطر استخدام هذا النوع من التكنولوجيا، وضعف الاستثمار المالي والمؤسساتي لمواكبة التطور الرقمي، وخطر الاعتماد الزائد على أدوات الذكاء الاصطناعي دون التدقيق البشري الكافي، فضلا عن “وباء” +التزييف العميق+ الذي يسهم في استفحال أخبار كاذبة عبر نشر مقاطع فيديو ملفقة ولا أساس لها من الصحة.

التخوف من إلغاء بعض المهام التقليدية واستبدالها بالوظائف الآلية، هو أيضا من بين المعيقات التي ذكرتها السيدة الرغاي، إلى جانب قلة الوعي والتكوين المهني، وضعف التنسيق بين الأطراف المعنية (إعلاميون وخبراء وأكاديميون ومؤسسات عمومية)، فضلا عن التحديات الأخلاقية الجديدة التي تواجه قطاع الإعلام.

وترى السيدة الرغاي أن وضع استراتيجية وطنية وتشريعات واضحة تحمي المهنة وتضمن الشفافية، مع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، يظل لبنة أساسية للتغلب على هذه التحديات.

وبالنسبة لرئيس تحرير موقع “360”، طارق قطاب، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يظل “محدودا جدا”. فهو يقتصر أساسا على بعض الأدوات المتعلقة بالكتابة والصور، وأحيانا بالفيديو، ولكن بشكل بسيط وسطحي، يصل أحيانا إلى درجة “الكاريكاتور”.

وهذا ما يلاحظ مثلا في بعض المقالات التي ت كتب بواسطة “تشات جي بي تي”. ورغم ذلك، يعتقد السيد قطاب، في تصريح مماثل، أن الذكاء الاصطناعي أداة عمل مذهلة تسهل على الصحافي القيام بالعديد من المهام، مثل ترجمة تقارير محررة بلغات غير متقنة، أو توفير حلول تختصر وقتا ثمينا كتفريغ مقابلات، أو أدوات تقنية تحسن جودة التصوير والمونتاج في إعداد الربورتاجات.

لكن الذكاء الاصطناعي، يقول طارق قطاب، “لا يمكنه مع ذلك، أن يحل محل الصحافي، فهذا الأخير هو من يقود عمله في كل تفاصيله”، مؤكدا أن هذا النوع من التكنولوجيا يمكن النظر إليه كمساعد “خارق” لتنظيم عمل الصحفي بشكل أفضل وتحقيق نتائج أجود بجهد أقل، مسجلا أن الشرط الأول لذلك، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي داخل غرف التحرير، هو التكوين على هذه الأدوات الجديدة ليس فقط لإتقان توظيف التقنيات الذكية، ولكن أيضا لرسم حدود واضحة لاستخدامها.

وحرص طارق قطاب على التأكيد أن “الذكاء الاصطناعي ليس عقلا يفكر بالنيابة عنا أو يفهم ويحلل واقعا معقدا” على نحو أفضل من الصحافي. إنه مجرد أداة مساعدة على العمل، لكنها أكثر قوة مما قدمه الإنترنت في حينه. أما قائد العملية، فيظل دائما هو الصحافي نفسه.

وعما إذا كان يؤيد أو يعارض استخدام النماذج الذكية؟ يقول السيد قطاب إن إدماج الذكاء الاصطناعي في العمل الصحافي لم يعد خيارا، بل ضرورة ملحة.. إنها ثورة شبيهة بقدوم الإنترنت، الذي غير جذريا مختلف القطاعات. أما تجاهل هذا التحول فيعني “الوقوع سريعا خارج التاريخ في مستقبل قريب”.

– استقلالية الإعلام عن تأثير الذكاء الاصطناعي.. حقيقة أم وهم ؟ –

من جهته، يرى كمال كحلي، الاستشاري في الذكاء الاصطناعي، أن الصحفي قد يفقد جزءا من استقلاليته تجاه تأثير الذكاء الاصطناعي، إذا أصبح معتمدا كليا على خوارزميات المنصات الكبرى، التي تحدد ما يصل إليه من محتوى وما يعرض على الجمهور. وفي هذه الحالة، يصبح الصحفي خاضعا لخيارات تقنية وتجارية لا يملك السيطرة عليها.

ولذلك، فإن الحفاظ على استقلالية الصحفي يتطلب قواعد تشريعية وأخلاقية واضحة وإرساء مواثيق مهنية، تجعل الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة تدعم حرية الصحفي، لا قوة بديلة تحد من دوره، وتضمن أن تبقى التكنولوجيا في خدمة المصلحة العامة.

فالرهان الحقيقي بالنسبة للسيد كحلي، وهو أيضا الكاتب العام للمرصد المغربي للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، يكمن في إيجاد قدوة رقمية واعية داخل الحقل الإعلامي، قادرة على تجسيد الاستخدام المسؤول والمتوازن للتكنولوجيا، بما يحقق الانسجام بين الابتكار التقني والحكمة الإنسانية، ويضمن أن يظل الإعلام فضاء لخدمة الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة.

وحتى يستفيد مهنيو الإعلام المغربي على النحو الأمثل من آفاق تقنيات الذكاء الاصطناعي، ينبغي اغتنام فرصه الجديدة بشكل مدروس ومتناغم مع السياق الوطني والدولي، في زمن التحولات الكبرى لتكنولوجيا الاتصال.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.