19 أبريل 2024

مجلة أمريكية: متاحف الغرب مليئة بالآثار المسروقة من بلدانها الأصلية

مجلة أمريكية: متاحف الغرب مليئة بالآثار المسروقة من بلدانها الأصلية

نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقال رأي للكاتب أحمد طويج تحدث فيه عن صفقة إعادة القطع الأثرية إلى العراق التي تعتبر خطوة واعدة ولكنها ليست كافية لضمان إعادة ما نُهب في السابق، إلى أصحابه الأصليين.

وقالت المجلة، في تقريرها إن الولايات المتحدة أعلنت عن اعتزامها إعادة أكثر من 17 ألف قطعة أثرية نُهبت من العراق، في إطار صفقة تاريخية بين وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية ووزارة العدل الأمريكية.

ونظرًا لأن المتاحف في مختلف البلدان الغربية مليئة بالقطع الأثرية المنهوبة خلال سنوات الاستعمار والاستغلال والفساد، فإنها تشكل هذه الصفقة سابقة مهمة في الجهود الرامية إلى إنهاء استعمار المتاحف وإعادة الآثار المسروقة إلى بلدانها الأصلية.

تعتبر المجلة هذه الصفقة جزءًا من حملة عالمية للحد من الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية. ولكن القطع الأثرية التي أعيدت إلى العراق قادمة في المقام الأول من مرجعين أمريكيين، هما متحف الكتاب المقدس وجامعة كورنيل. أما القطع الأخرى المنتشرة في مختلف الدول الغربية والتي تم الاستيلاء عليها في عمليات نهب مدعومة من الدولة، وبتأييد من الإمبراطورية البريطانية والألمانية والعثمانية،  فإنه من غير الواضح ما إذا كانت ستُعاد إلى بلدانها الأصلية. ومع أن عودة القطع الأثرية إلى بلدانها الأصلية يمثل خطوة واعدة، إلا أن العالم لا بد أن يدرك أيضا أن هذه الصفقة ليست كافية.

بعبارة أخرى، يحتاج المجتمع الدولي إلى الضغط على المتاحف في جميع أنحاء العالم لمواصلة إعادة الآثار المنهوبة إلى بلدانها الأصلية، خاصة المنظمات العالمية مثل اليونسكو. ويمكن اعتماد الصفقة الأمريكية العراقية نموذجًا لإعادة تقييم طريقة استعادة القطع الأثرية وتصحيح الأخطاء المرتكبة طيلة القرون الماضية .

وأشارت المجلة إلى أن القطع الأثرية العراقية قيّمة بشكل لا يمكن إنكاره. غالبا ما يُشار إلى العراق باعتباره “مهد الحضارة”، بدءا من اختراع الكتابة السومرية في سنة 3200 قبل الميلاد، وصولا إلى مدونة حمورابي لقواعد السلوك التي سجلها حوالي 1750 قبل الميلاد، والتي تعد واحدة من أقدم مدونات القوانين، وقد ساهم العراق في تشكيل العلم والتاريخ والثقافة العالمية.

تركت تلك الحضارات القديمة وراءها قطعًا أثرية لا تقدر بثمن، والكثير منها معروض حاليا في متاحف بعض أكبر دول العالم الغربي إلى جانب كنوز أخرى منهوبة. نُهبت العديد من هذه القطع الأثرية بعد سنة 2003، في أعقاب الفراغ الأمني الذي خلفه انهيار حكم صدام حسين. وبعد سنوات من اليأس والعقوبات الاقتصادية، نهب اللصوص كل ما في وسعهم بدءا من دورات المياه وصولا إلى الكابلات الكهربائية. ولم تكن المتاحف العراقية في مأمن حيث نهب العديد من العراقيين عددًا لا يحصى من القطع الأثرية الثمينة.

على امتداد ثلاثة أيام، نُقلت القطع الأثرية من المتحف الوطني العراقي في بغداد على مرأى ومسمع الجنود البريطانيين والأمريكيين الذين أمروا بحماية وزارة النفط العراقية فقط. وسرعان ما هُرّبت القطع الأثرية خارج البلاد، وعُرضت للبيع في المزادات العالمية مثل دار كريستيز.

وبيعت رموز التراث الثقافي العراقي لهواة جمع الآثار والمتاحف على حد سواء، رغم معرفتهم بأنها منهوبة واحتجاج النشطاء والأكاديميين على المزادات. وما زاد الأمور سوءا، صعود تنظيم الدولة في سنة 2014 وسيطرته على بعض أهم المواقع الأثرية في العراق.

وانهارت الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، بما في ذلك مدينة نينوى التاريخية العاصمة السابقة للإمبراطورية الآشورية الجديدة. ومن أجل مواصلة تمويل توسعه، لجأ تنظيم الدولة إلى استغلال القطع الأثرية للمدينة التوراتية، التي أثارت اهتمام التوراتيين الأثرياء المقيمين في الولايات المتحدة، مثل الملياردير ستيف غرين مالك سلسلة محلات “هوبي لوبي”.

ونُقلت الآثار المسروقة عبر الحدود إلى تركيا. ونظرا لأن التجارة العالمية عادة ما تكون منظمة بشكل جيد، فقد استخدم التجار غير الشرعيين سوق فيسبوك الحر للوصول إلى الجمهور الغربي.

والآن قررت الولايات المتحدة إعادة هذه الآثار إلى العراق. ومع أن هذا الإنجاز يعد انتصارًا صغيرًا للدول التي تضغط على المؤسسات الغربية لإنهاء استعمارها للآثار، إلا أن إجراءات وزارة العدل الأمريكية لم تكن كافية. فقد رفعت الوزارة دعوى مدنية لمصادرة القطع الأثرية ونجحت في إعادة آلاف القطع، بينما فشلت في استعادة العديد من القطع الأثرية العراقية الأخرى التي وجدت طريقها إلى المتاحف الأمريكية على مدار القرن الماضي.

ماذا عن تمثال أسد بابل المعروض في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، أو غيره من القطع الأثرية المنهوبة من العراق وبقية دول الشرق الأوسط؟ توضح قصة بوابة عشتار في مدينة بابل كيف انتهى المطاف بأجزاء من تاريخ العراق في متاحف الغرب. وهذه البوابة معروضة في متحف بيرغامون في برلين، وهي عبارة عن هيكل أزرق ضخم بناه الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني سنة 575 قبل الميلاد.

نُقلت بوابة عشتار إلى برلين في خضم أعمال النهب واسعة النطاق في العراق التي بدأت قبل قرن من الغزو الأمريكي للبلاد، تحت مسمى “التنقيب عن الآثار” الذي كان يحظى بقبول علني أكبر. بعد غزو البريطانيين للعراق في سنة 1914، تشكلت المملكة العراقية تحت سيطرة الانتداب البريطاني.

ومع تبني السياسات الموجودة في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية، سرعان ما تم إقرار القوانين التي تمنح امتيازات لعلماء الآثار الأجانب. وفي سنة 1924، تم تشريع قانون الآثار الذي صاغته عالمة الآثار والكاتبة البريطانية غيرترود بيل، والذي سمح بتصدير القطع الأثرية إلى خارج العراق. وقد استفادت جامعات شيكاغو وأكسفورد وييل وكذلك المتحف البريطاني من هذا القانون عندما غادرت السفن المحملة بالقطع الأثرية البلاد.

وكان علماء الآثار الألمان ينقبون عن الآثار بالفعل في المواقع البابلية منذ سنة 1899، بتمويل من الجمعية الشرقية الألمانية بقيادة عالم الآثار روبرت كولدوي، في الوقت الذي كانت فيه الإدارة العثمانية منشغلة بالحفاظ على ما تبقى من إمبراطوريتها المنهارة.

وقام علماء الآثار الألمان بتهريب القطع الأثرية التي عثروا عليها، بما في ذلك الأواني الفخارية المزخرفة، إلى برلين عن طريق إخفائها في صناديق من الفحم. واكتُشفت بوابة عشتار في سنة 1902، لكن أعمال التنقيب توقفت مؤقتا خلال الحرب العالمية الأولى، ولم تُنقل بوابة عشتار إلى برلين إلا حينما سمحت بريطانيا لألمانيا بتصدير اكتشافاتها في نهاية الحرب خلال سنة 1917 .

المصدر : Foreign Policy


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.