ت عد جهة فاس-مكناس من أبرز روافد الصناعة التقليدية بالمغرب، وقد شهد هذا القطاع الحيوي خلال السنوات الأخيرة طفرة نوعية بفضل المشاريع المهيكلة التي أ طلقت تحت القيادة النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من العنصر البشري وصون التراث محورا رئيسيا في استراتيجيات التنمية.
ومن بين المبادرات البارزة في هذا الإطار، يبرز القطب الحرفي بعين النقبي بمدينة فاس، الذي ساهم في إحداث تحول ملموس على مستوى تنظيم القطاع محليا، وأضفى دينامية جديدة على المدينة العتيقة للعاصمة الروحية. وقد أسهم هذا المشروع في إعادة هيكلة المهن التقليدية، والحفاظ على الطابع الحضاري والأصيل للمدينة.
وأفادت معطيات للمديرية الجهوية للصناعة التقليدية بجهة فاس – مكناس بأن هذا القطب ي عنى أساسا بحرف النقش على النحاس، حيث يضم 250 ورشة و4 فنادق تقليدية، وقد مكن من تجميع الورشات المتفرقة سابقا في فضاءات آمنة وصحية، بالإضافة إلى ترحيل الأنشطة الملوثة إلى خارج المدار الحضري.
ويأتي هذا المشروع انسجاما مع الرسالة الملكية بمناسبة انطلاق احتفالات الذكرى الـ1200 لتأسيس مدينة فاس (5 أبريل 2008)، التي أكد فيها جلالته على “تصميمه على ترسيخ هوية مدينة فاس، كمنبع للإبداع الفني والحرفي والمبادرة الذاتية، ولحركية الإنتاج والمبادلات، ووجهة سياحية غنية بمؤهلاتها وجاذبيتها الروحية”.
ومن المشاريع الرائدة كذلك، منطقة الأنشطة الحرفية ببنجليق التي تم تطويرها منذ سنة 2004 على مساحة تناهز 27 هكتارا بضواحي مدينة فاس، بهدف تجميع حرفيي الزليج والخزف الذين كانوا يشتغلون في أماكن متفرقة.
وتكتسي هذه المنطقة أهمية بالغة، لاسيما أن قطاع الزليج يساهم وحده بنسبة 36% من صادرات الصناعة التقليدية الوطنية، مما يجعلها أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الصناعي التقليدي في المغرب.
ويعكس هذا المعطى الأثر الإيجابي للمشاريع الملكية على الدينامية التي يشهدها القطاع. فعلى مستوى جهة فاس-مكناس، يضم قطاع الصناعة التقليدية حوالي 144 ألف صانع تقليدي (12% من إجمالي عدد الحرفيين في المغرب)، ويحقق رقم معاملات ي قدر بـ 10.6 مليارات درهم، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الوطني لهذا القطاع، ما يدل على الأهمية الاقتصادية الكبرى التي يحتلها هذا القطاع في المنطقة.
وفي قلب منطقة بنجليق، وتحديد ا في ورشة المعلم الحرفي عبد الواحد مسعود، ينكب العشرات من المعلمين والعمال على تحويل الطين من حالته الخام إلى تحف خزفية فنية، مرورا بعمليات التشكيل والطلاء، وصولا إلى مرحلة الحرق والتلوين، التي ت عد من أدق مراحل الإنتاج.
وتتميز هذه الحرف اليدوية بالدقة العالية والاهتمام بالتفاصيل، ما يجعل المنتجات تحفا فنية ت حافظ على التراث المغربي الأصيل.
وي عتبر هؤلاء الحرفيون حماة فن الزليج المغربي الأصيل، ويؤكدون أن إحداث هذه المناطق الصناعية المتخصصة أسهم في تحسين ظروف العمل، والرفع من دخل الحرفيين، بفضل الرعاية الملكية السامية التي يوليها جلالة الملك لهذه الفئة التي ترفع راية المغرب عالي ا بفنها وإبداعها عبر العالم. ويعكس هذا التوجه حرص المملكة على تمكين الحرفيين وتوفير بيئة عمل مستدامة تضمن لهم الاستقرار المهني والاجتماعي.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أفاد المعلم عبد الواحد مسعود “نعب ر عن امتناننا لصاحب الجلالة على ما تحقق لفائدة الزليج البلدي الذي رس خ حضوره عالمي ا”، مشددا على أن الحفاظ على جودة المنتج يظل الهم الأكبر للحرفيين.
وأضاف أن جودة المنتج تمثل حجر الزاوية في استمرارية هذه الحرفة العريقة، والتي تتطلب من كل حرفي الالتزام بأعلى المعايير.
كما عب ر عن أمله في تسريع وتيرة تأهيل منطقة بنجليق، من خلال تحسين الولوج إلى الموقع وتعزيز وسائل النقل، لما لذلك من أثر إيجابي على الإنتاج والتسويق، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل اليومية للحرفيين والعاملين.
من جهته، أكد السيد موتمني، عضو جمعية الحرفيين، أن “أهمية هذه المنطقة تتجلى في الرمزية العميقة لفن الزليج المغربي التقليدي، الذي يتعرض لمحاولات متكررة للسطو من طرف بعض الدول”.
وأضاف أن هذه المحاولات لم تزده إلا إصرارا على صون هذا الموروث العريق، الذي يوفر حاليا أكثر من 2700 منصب شغل مباشر و1500 منصب غير مباشر، معتبرا أن مشروع بنجليق يجسد العناية الخاصة التي ما فتئ يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لقطاع الصناعة التقليدية والعاملين فيه.
وسجل أن فن الزليج شهد تحسنا كبيرا في ظروف اشتغال الحرفيين ومستوى دخلهم منذ انتقالهم من منطقة عين النقبي القديمة إلى موقع بنجليق الجديد، مما ساهم في تنمية هذه الحرفة ودعم استمراريتها عبر الأجيال.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.