تنبعث حياة جديدة بعد منتصف الليل في مهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية، حيث يجتمع النقاد وعشاق الفن السابع في لقاءات من نوع خاص، يتبادلون خلالها الآراء، ويناقشون القضايا السينمائية الراهنة، ويحتفون بغنى السينما الإفريقية والعالمية.
ويواصل مهرجان خريبكة، وفاءا منه لتقليد الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، إرث “لقاءات منتصف الليل” تعبيرا عن ارتباطه العميق بالثقافة السينمائية وبقيمة الحوار.
ومنذ دورته الأولى سنة 1977، سعى المهرجان إلى الربط بين العرض السينمائي والتفكير النقدي، في إطار مقاربة فكرية تتمحور حول السينما. وقد تجسدت هذه الإرادة منذ البداية من خلال تنظيم جلسات لتقديم مؤلفات على هامش العروض السينمائية.
وتعد هذه اللقاءات، التي يطلق عليها أيضا “سينما منتصف الليل”، إلى جانب كونها نقاشات ليلية، بمثابة مختبر حقيقي للأفكار، تتقاطع فيه القراءات النظرية، والتجارب الميدانية، والنقاشات الحرة. كما يؤكد المهرجان من خلالها على رسالته كمجال لنقل المعرفة، والتكوين، وبناء فكر نقدي حول السينما الإفريقية.
وفي هذا السياق، قال الناقد السينمائي، عبد الكريم واكريم، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “أجيالا كاملة من عشاق السينما المغاربة نشأت في هذه الروح منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى أوائل التسعينيات، وهي الفترة التي بلغت فيها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية أوج عطائها”.
وأضاف أن المهرجان يعد امتدادا طبيعيا لتجربة نوادي السينما، حيث حافظ على هذا التقليد الثمين المتمثل في “لقاءات منتصف الليل”، الذي قدم فيه بالمناسبة مؤلفه الجديد بعنوان “تجارب سينمائية نسائية جديدة: قراءات في أفلام مغاربية”.
وأكد الناقد السينمائي، الذي دأب على المشاركة في مهرجان خريبكة منذ سنوات 2000، أن هذا التقليد متجدر جدا في المهرجان، مضيفا أن الراحل نور الدين الصايل، أحد مؤسسي مهرجان خريبكة، كان يحرص شخصيا على تنشيط النقاشات في كل ليلة من ليالي المهرجان.
وأشار إلى أن الشغف بالسينما الموروث من نوادي السينما يمثل جوهر مهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية، لا سيما وأن هذه اللقاءات تظل وسيلة أساسية لنقل وتغذية الثقافة السينمائية.
وعقدت هذه الدورة من مهرجان خريبكة الوصل مع روح “اللقاءات الليلية”، من خلال تنظيم ثلاث ليالي غنية بالمحتوى ومنفتحة على الحوار.
وخصصت الأمسية الأولى لعرض الإصدارات الحديثة حول الفن السابع، مؤكدة من جديد على دور المهرجان كمجال للتفكير النقدي، فيما اتخذت الأمسية الثانية شكل “بطاقة بيضاء” منحت للجمعية المغربية لنقاد السينما، التي نظمت مائدة مستديرة بحضور الناقد اللبناني إبراهيم العريس.
أما اللقاء الأخير، فقد خصص لقراءة جماعية في أعمال المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، بمبادرة من الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وبتأطير من نادي خريبكة للسينما، الذي يظل فاعلا محليا وفيا لالتزامه بنقل الثقافة السينمائية.
وينظم مهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويستقبل خلال هذه الدورة 350 سينمائيا من 45 بلدا، في احتفاء بالإبداع السينمائي الإفريقي، وبمواهبه الصاعدة، وتحولاته العميقة.
وتنعقد هذه الدورة تحت شعار “من جذبة الحكواتيين إلى صرامة الخوارزميات: تجاذبات السينما الإفريقية”، حيث تهدف إلى فتح نقاش عميق حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن، والسرديات، والخيال السينمائي في القارة الإفريقية.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.