22 يونيو 2025

مهرجان كناوة وموسيقى العالم.. سيمفونية من التنوع والتسامح في مدينة الرياح

Maroc24 | فن وثقافة |  
مهرجان كناوة وموسيقى العالم.. سيمفونية من التنوع والتسامح في مدينة الرياح

أثبتت الدورة الـ 26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، مرة أخرى، المكانة الباريزة لهذه التظاهرة التي تمزج بين التقاليد العريقة والتعبيرات المعاصرة، وتجسد منذ أكثر من عقدين من الزمن الروح النابضة لمدينة الرياح المتمسكة بجذورها الثقافية الراسخة والمنفتحة في الوقت ذاته على العالم.

وتستضيف الصويرة، المطلة على المحيط الأطلسي، كل عام هذا المهرجان الموسيقي الذي يتجاوز الأنواع والحدود، بشكل تتحول معه المدينة وتنبض أزقتها بالحياة، وتصبح ساحة مولاي الحسن الأسطورية فضاء تتردد فيه إيقاعات “القراقب” والأصوات المقدسة للمعلمين.

وفي قلب هذا المهرجان، تنبض موسيقى كناوة بقوة الوحدة والتلاقي، مرسية جسرا قديما يربط بين الأرواح، عبر مزج التأثيرات الإفريقية والعربية-الأمازيغية والحديثة. هذا المزيج الصوتي ليس مجرد تراث فحسب، بل هو احتفال حي بتعدد الهويات وتنوع الإنسانية.

وقد كرست الدورة الـ26 من هذا المهرجان هذا التوجه عبر برنامج متنوع جمع بين أساطير موسيقى كناوة، ونجوم الساحة العالمية، والمواهب الشابة الصاعدة، في تحالف بين الأصالة والحداثة يعكس حيوية الثقافة المغربية وقدرتها على التجديد دون نسيان الجذور.

ويعكس هذا التنوع في التعبير الفني تاريخ مدينة الصويرة نفسها، وهي مدينة متعددة الثقافات التي شهدت تعايش اليهود والمسلمين والمسيحيين والمجتمعات الإفريقية جنبا إلى جنب، منشئة نسيجا اجتماعيا غنيا وشاملا. وبذلك، يواصل المهرجان تكريس إرث الانفتاح والضيافة.

كما يصبح السكان أنفسهم جزءا فعالا من هذا الاحتفال، يستقبلون الزوار والفنانين بحرارة وحفاوة. ويخلق المهرجان جسرا حيا بين التقاليد الشعبية والحداثة الحضرية، ويدعو الجميع لمشاركة لحظة فريدة من التآلف.

وإلى جانب الموسيقى، يشكل المهرجان فضاء للحوار والتبادل الثقافي، حيث تواكب حفلاته لقاءات وورشات ونقاشات يجد فيها التسامح مكانه، داعيا المشاركين إلى التفكير في التعايش السلمي مع التنوع.

وبالفعل، فقد نظمت موازة مع هذه الدورة، الدورة ال12 لمنتدى حقوق الإنسان الذي حمل شعار “الحركيات البشرية والديناميات الثقافية”، وشاركت فيه نخبة من المفكرين والفنانين والدبلوماسيين والنشطاء وممثلي المؤسسات لمناقشة قضايا الهجرة، أبرزوا خلالها ثراء المسارات، وقوة المخيال، والقضايا المحورية المرتبطة بالكرامة والعدالة والذاكرة، وهو ما كرس دور المنتدى في إشاعة روح الانفتاح التي يرسخها المهرجان، مجسدا حوارا بين الموسيقى والأفكار، والإيقاعات والحقوق.

وشكل برنامج “بيركلي في مهرجان كناوة وموسيقى العالم” نقطة قوة أخرى في هذه الدورة حيث وفر هذا الحدث، الذي يعد ثمرة شراكة بين كلية بيركلي للموسيقى ومهرجان كناوة وموسيقى العالم، للموسيقيين المتمرسين فرصة فريدة لتطوير مهاراتهم الفنية.

ويستهدف هذا البرنامج المفتوح لعازفي الآلات من جميع الآفاق، من المقطوعات التقليدية الكناوية إلى الجاز والروك والبوب، الموسيقيين الذين لا تقل أعمارهم عن 18 عاما، والذين لديهم خبرة لا تقل عن سنتين في العزف على الآلات الموسيقية.

من جهة أخرى، يمثل مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة فرصة ذهبية للاقتصاد المحلي، حيث يضطلع بدور اقتصادي وسياحي كبير. فهو ينشط المدينة ويجذب جمهورا دوليا ويعزز مكانة الصويرة كوجهة رائدة في المشهد الموسيقي الأفريقي والعالمي. وتساهم هذه البعد في تعزيز الشعور بالانتماء المحلي ضمن دينامية عالمية.

ومن خلال منصاته، بات مهرجان كناوة مرآة تعكس تعقيدات المغرب المعاصر، بين الذاكرة والابتكار، والتجذر والانفتاح على العالم، وتدعو إلى الإنصات وإلى فهم ثراء إنسانيتنا المتعدد.

هكذا إذن، شكلت الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم مناسبة متجددة للتأكيد على أن الثقافة ركيزة أساسية للحوار الاجتماعي والتماسك، ومحفز على الاحتفاء بجمال الاختلافات، وغرس قيم التسامح، وبناء جسور دائمة بين الشعوب. وبذلك، يواصل مهرجان كناوة، الوفي لإرثه، كتابة صفحة مشرقة تلتقي فيها الموسيقى والتنوع والأخوة لتقدم للعالم رسالة نابضة بالوحدة والأمل.

و م ع


أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.