الاجتماعات السنوية 2025 للبنك الإفريقي للتنمية.. حوار مع وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح

خص ت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، وكالة المغرب العربي للأنباء بحوار على هامش الاجتماعات السنوية 2025 للبنك الإفريقي للتنمية، المنعقدة إلى غاية 30 ماي بأبيدجان، استعرضت فيه الدور الذي يضطلع به المغرب في تسريع اندماج القارة وتحولها الاقتصادي، والتعاون القائم بين المغرب والبنك الإفريقي للتنمية:
– يأتي انعقاد الاجتماعات السنوية للبنك الإفريقي للتنمية هذه السنة في سياق إصلاحات اقتصادية كبرى على صعيد القارة. ما هو الدور الذي يعتزم المغرب القيام به في إعادة تحديد أولويات التمويل لأجل تحقيق نمو شامل ومرن بإفريقيا؟
تشهد إفريقيا اليوم زخم نهضة اقتصادية يتميز بنمو مطرد، وارتفاع ملحوظ في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطور كبير في التقنيات الرقمية، فضلا عن تسارع وتيرة التمدن. وفي هذا السياق الواعد، وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لطالما حرص المغرب، باعتباره بلدا إفريقيا، على مواءمة أولوياته التنموية الوطنية مع التوجهات الإقليمية الكبرى، على غرار أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، وبرنامج “الأولويات الخمس” للبنك الإفريقي للتنمية. ومن هذا المنظور، وبصفتها عضوا بالبنك، ساهمت المملكة بنجاعة في إعداد الاستراتيجية العشرية الجديدة للبنك الإفريقي للتنمية، التي اعتمدها مجلس إدارته في شهر ماي من السنة الماضية، والرامية إلى تسريع الاندماج والتحول الاقتصادي بالقارة ضمن إطار يستند إلى الاستدامة والإدماج. وعلى الرغم من المكتسبات المحققة، إلا أن القارة الإفريقية lازالت تواجه اليوم ضرورة مواصلة مسارها التنموي وتعزيزه، وذلك من خلال تعبئة إمكانياتها الكاملة والتصدي للتحديات القائمة، لاسيما في قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والبيئة، والبنيات التحتية والحكامة. وتتطلب معالجة هذه الأوراش ذات الأولوية موارد مالية ضخمة، لا يمكن تعبئتها من خلال الموارد العمومية فقط. وبالتالي، يتعاظم دور القطاع الخاص في بلوغ أهداف التنمية بالدول الإفريقية. ومن جانبها، فإن بنوك التنمية المتعددة الأطراف، ومن بينها البنك الإفريقي للتنمية، مدعوة للاضطلاع بدور محوري في تحسين ولوج الدول النامية إلى تمويل التنمية بتكلفة يسيرة.
– تتمحور مباحثات هذه الاجتماعات السنوية حول تثمين رأسمال إفريقيا. ما هي، برأيكم، أفضل السبل لتعبئة الموارد البشرية والطبيعية والمالية للقارة قصد تسريع تنميتها المستدامة؟
يتطلب التحول الهيكلي بإفريقيا اعتماد تدابير استراتيجية لتحسين مردودية رأسمال القارة (الرأسمال البشري أو الطبيعي أو المالي أو التجاري)، وذلك لما يتيحه من فرص اقتصادية متنوعة للدول الإفريقية. وحتى تتمكن إفريقيا من الاستغلال الأمثل لإمكاناتها التنموية وتحقيق أفضل استفادة من رأسمالها الغني، ينبغي قبل كل شيء التركيز على تعبئة الرأسمال البشري، باعتباره أحد أهم المحفزات لتسريع التنمية المستدامة بالقارة. ولأجل ذلك، من المحتم تكثيف الاستثمار في التعليم والتكوين المهني والصحة، إلى جانب إرساء آليات محفزة للمبادرة المقاولاتية التي ما تزال تعاني من ضعف التمثيلية في الدورة الاقتصادية المهيكلة. وفي هذا السياق ي عد الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية رافعة أساسية لتسريع التحول الاقتصادي بالقارة. ومن هذا المنظور، يتعين تشجيع إحداث سوق إقليمية للمواد الأولية الم حولة، من خلال الاعتماد على اتفاقية منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، وغيرها من المشاريع القارية الكبرى الداعمة للتنمية المشتركة والتكامل. وفي هذا الصدد، فإن مشروع أنبوب الغاز الأطلسي الإفريقي، الرابط بين نيجيريا والمغرب، يمثل فرصة غير مسبوقة للإدماج الإقليمي ينبغي إبراز أهميتها. ومن شأن هذا المشروع، الذي يجسد الرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل قارة موحدة ومزدهرة، تحقيق توزيع أمثل للموارد الطبيعية الإفريقية، من خلال تسهيل الولوج إلى الطاقة في الدول التي سيعبرها. وضمن هذا التوجه، فإن المبادرة الملكية الرامية إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، ستسهم في فك العزلة عن هذه الدول غير الساحلية وربطها بالواجهة الأطلسية، التي تزخر بإمكانات اقتصادية هائلة. وبدورها، فإن تعبئة الرأسمال المالي ضرورية للاستجابة للاحتياجات الاستثمارية الضخمة بالقارة، خاصة في قطاعات البنيات التحتية والخدمات الأساسية والانتقال الطاقي. كما يعتبر جوهريا توفير بيئة تنظيمية مستقرة وجاذبة لتحفيز انخراط القطاع الخاص. وسيتيح اللجوء إلى أدوات مبتكرة لتدبير المخاطر وضمان التمويلات أو هيكلتها، حلولا ناجعة لتنامي حجم التمويل وتعظيم أثرها.
– تربط المغرب والبنك الإفريقي للتنمية شراكة طويلة الأمد. ما هي أولويات هذا التعاون اليوم؟ وماذا عن آفاقه؟
إن المغرب، وهو من الدول المؤسسة للبنك الإفريقي للتنمية، يقع بين أوائل البلدان المستفيدة من دعم البنك، ويتصدر في الوقت الراهن قائمة زبنائه بأكثر من 150 مشروعا ممولا. وتشمل هذه التدخلات مجالات استراتيجية من قبيل النقل، والحماية الاجتماعية، والماء والتطهير، والطاقة، والفلاحة، والحكامة والقطاع المالي. ويعكس هذا المستوى من الالتزام الالتقائية الاستراتيجية والعملية بين أولويات التنمية للمملكة والأهداف التي حددها البنك في إطار استراتيجيته من أجل تحول إفريقيا وتنميتها. ولقد أصبح هذا الدعم، خلال السنوات الأخيرة، حقيقة ملموسة من خلال استثمارات كبرى، من قبيل مركب الطاقة الشمسية “نور ورزازات”، أحد أكبر المشاريع من نوعه في العالم، وميناء “الناظور غرب المتوسط”، الذي يشكل قطبا استراتيجيا للتجارة البحرية الإقليمية. كما تغطي الشراكة القائمة بين المغرب والبنك الإفريقي للتنمية، من جهة أخرى، مجال البنيات التحتية للنقل، الأمر الذي عزز من تنافسية المغرب قاريا ودوليا، فضلا عن دعم البنك للقطاعات الاجتماعية، من خلال مواكبة إصلاحات في ميادين التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. ويتم تأطير تدخلات البنك وفقا لوثيقة استراتيجية الدول (2024-2029)، التي ا عدت بتعاون وثيق مع السلطات المغربية المعنية. وترتكز الإجراءات المنصوص عليها في هذه الوثيقة حول مجالين رئيسيين يتمثلان في تعزيز النمو الشامل من خلال تنمية الكفاءات، وتحسين فرص التشغيل وإدارة الأعمال، وتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية من خلال تنمية بنيات تحتية مستدامة. واليوم، تتكون محفظة المشاريع الممولة من طرف البنك بالمغرب 32 مشروعا، بغلاف مالي إجمالي يناهز 3,2 مليار دولار. وتخضع هذه المحفظة النشطة لتتبع دقيق عبر مراجعات دورية لأدائها العام، مما يساهم في تحسين جودة المشاريع، وملاءمتها مع المستجدات الاقتصادية، مع توفير توجهات بخصوص برمجة العمليات المستقبلية للقروض والمنح. أما بشأن السنوات المقبلة، سنواصل تعزيز حوار مع البنك الإفريقي للتنمية بقصد ضمان تنفيذ أمثل لوثيقة التعاون، الرامية بالأساس لتعزيز نمو الاقتصاد المغربي وجعله أكثر شمولا ومرونة في مواجهة الصدمات الخارجية.
– هل يعتزم المغرب الرفع من مساهمته أو دوره كمساهم في رأسمال البنك الإفريقي للتنمية خلال السنوات القادمة؟
ي صنف المغرب ضمن أبرز المساهمين بالبنك الإفريقي للتنمية، إذ يشغل واحدا من المقاعد العشرين بمجلس الإدارة، بنسبة تصويت تبلغ 4,7 في المائة. وتمنح هذه المكانة المتميزة للمملكة دورا مهما في اتخاذ القرار داخل البنك، خاصة في ما يتعلق بالمسائل ذات الصلة بالوضعية المالية للمؤسسة التي نوليها عناية خاصة. وفي الواقع، لطالما دعا المغرب إلى تعزيز الرساميل الخاصة للبنك حتى يتمكن من أداء مهمته بشكل كامل في مواكبة جهود الدول الأعضاء الإقليمية في تحقيق أهدافها التنموية الوطنية. وفي سنة 2024، كان المغرب من بين أوائل البلدان التي صادقت على قرار الرفع من رأسمال البنك ليبلغ 318 مليار دولار، مما مك ن من الحفاظ على تصنيف المؤسسة الائتماني “أأأ” (AAA)، والحفاظ على مسار ديون البنك. علاوة على ذلك، يولي المغرب أهمية خاصة لصندوق التنمية الإفريقي، باعتباره الآلية التفضيلية للبنك التي تدعم 37 بلدا إفريقيا من خلال تمويلات بشروط تفضيلية. وفي هذا الصدد، أ ذكر أن المغرب سبق له أن ساهم في الجولة السادسة عشرة لإعادة تكوين موارد الصندوق، ويشارك بزخم في الاجتماعات التحضيرية للجولة السابعة عشرة المقررة هذه السنة. إلى جانب المساهمات المالية في الرفع من رأسمال البنك ودورات إعادة تكوين موارد الصندوق، ي عد المغرب شريكا أولا في المبادرات التي يطلقها البنك للترويج لإفريقيا كوجهة مفضلة للمستثمرين الدوليين. وأذكر، في هذا السياق، بتنظيم المغرب، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لدورتين ناجحتين من منتدى الاستثمار الإفريقي، الذي أصبح، بمرور السنوات، منصة لا محيد عنها تضم مستثمرين دوليين، وقادة مؤسسات تمويل التنمية، ورجال أعمال، بغية تسريع إتمام الصفقات الاستثمارية.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.