انطلقت، اليوم الثلاثاء بمجلس النواب، أشغال مناظرة علمية حول موضوع “الأمن القانوني وجودة التشريعات.. المفاهيم والرهانات والآفاق المقارنة”، بمشاركة برلمانيين وباحثين وأكاديميين.
وتتمحور هذه المناظرة، التي ينظمها مجلس النواب واللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية من خلال القانون (لجنة البندقية)، على مدى يومين، حول إمكانية التوقع بالقانون، مع التركيز على تقنيات الصياغة التشريعية، وسهولة الولوج إلى القانون، بما في ذلك الإشكالات المرتبطة بالنشر والولوج إلى المعلومة، وتنظيم السلطات التقديرية بهدف الوقاية من القرارات التعسفية، لا سيما من خلال الرقابة القضائية والتوجهات الإدارية.
وبمناسبة افتتاح المناظرة، أكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أن المملكة المغربية في سياق إصلاحي من سماته تجديد كبير في التشريعات وإقرار لعدد كبير من النصوص التأسيسية، خاصة في ضوء وإعمال لدستور 2011 الذي يعتبر “تحرريا وحقوقيا بامتياز”.
واعتبر أن تموقع المملكة على المستوى الإقليمي والقاري والدولي وتنوع علاقاتها السياسية والاقتصادية والبشرية مع العديد من البلدان وحرصها على الوفاء الصادق والعملي بالتزاماتها الدولية يتطلب تأطير هذه الدينامية والاستجابة التشريعية لمتطلباتها.
وأضاف “لئن كان هذا الواقع يدعو إلى الفخر، فإنه يحمل في طياته بعض التحديات المرتبطة بالأمن القانوني والمحكومة بهاجس الصدق وكفالة الحقوق ومنطق احترام القانون وسموه واحترام الالتزامات، وهي من مبادئ عقيدة الدولة المغربية في الداخل كما في الخارج: مبدأ احترام القانون”.
وشدد السيد الطالبي العلمي على أن “الاقتصاد المغربي كان دوما اقتصادا منفتحا، واقتصاد سوق، وكان حق الملكية مكفولا دوما بالدستور، والمبادرة الحرة مكفولة بالقوانين والمواثيق، فيما تعتبر الدولة راعية وضامنة للضبط وحرية المنافسة، مما يسر، إلى جانب ما ينعم به من استقرار في ظل الملكية الدستورية الديموقراطية البرلمانية والاجتماعية، جاذبية المغرب الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدماتية وفي مجال التجهيزات الأساسية الكبرى”.
وأبرز، من جهة أخرى، أن شراكة المغرب مع بلدان الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا تقربه أكثر من القوانين الأوروبية، “إن لم نكن الأقرب إليها بالحوض المتوسطي والشرق الأوسط وإفريقيا”، مما يلزم بأن “تكون تشريعاتنا أكثر سلامة وجودة، وليس فقط لأننا ننتمي إلى العالم الحر، ولكن أيضا لأننا حريصون على الوفاء بالتزاماتنا الدولية”.
وخلص السيد الطالبي العلمي إلى القول إن “ما ينطبق على هذا الجانب الاقتصادي والتعاقدي على المستوى الدولي يسري أيضا على ما هو داخلي. فالإقرار في دستور المملكة بتشبث المملكة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، كان لا بد له من تأطير تشريعي، إذ حرصت بلادنا على اعتماد النصوص التي يقتضيها ذلك، مع الحرص على استحضار هاجسي الأمن القانوني وجودة النصوص ووضوح القواعد”.
من جهته، أكد مساعد مديرة لجنة البندقية (مجلس أوروبا)، بيير جارون، أن هذه المناظرة شهادة على التعاون الكبير بين المغرب ومجلس أوروبا، مضيفا أن لجنة البندقية عملت على إعداد قائمة معيارية خاصة بدولة القانون التي يندرج في إطارها الجانب المتعلق بالأمن القانوني، وكذا حقوق الإنسان والوصول الى القانون واستشرافه.
واعتبر السيد جارون أن هذه المعايير تمكن السلطات والمنظمات والمواطنين من الاطلاع على ما يمكنه تحسين الوصول إلى دولة القانون، مضيفا أن البرلمان يضطلع بدور أساسي في صياغة القوانين من منطلق تشريعي.
وشدد على أن الأمر لا يتعلق فقط بمضامين القانون، بل باستقراره وتناغمه وعدم رجعيته واعتماد المقاربة الاستشرافية التي تمكن من التنبؤ بمدى تطبيق هذه القوانين وتجنب عدم وضوحها.
من جانبها، أبرزت مديرة اللجان بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، لويز بارتون، أهمية تحسين الأمن القانوني وجودة التشريعات، لا سيما أنه “من شأن هذه المناظرة تحسين الجودة التشريعية وتعزيز التعاون الملموس بين الأطراف المشاركة”.
كما نوهت بالإصلاحات الديمقراطية في المغرب وبالتعاون القائم معه لمأسسة أفضل الممارسات للرفع من القيمة التشريعية، مشيرة إلى المشاركة الفاعلة للوفد المغربي في أعمال الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وجميع لجانها.
وبعدما أكدت أن المغرب يظل حجر الزاوية في تطوير العلاقة مع مجلس أوروبا التي تعطي إطارا للحوار والدعم المتبادل، أبرزت السيدة بارتون أن الشراكة مع المغرب تعد نموذجا للتضامن الديمقراطي في المنطقة المتوسطية.
بدوره، أكد فرونسوا سينيرس، عضو المجلس الدستوري الفرنسي، وعضو إضافي عن فرنسا في لجنة البندقية، ضرورة اعتماد مبدأ استشرافية القوانين الذي يفضي إلى جودة النصوص القانونية التي من خلالها ينعم المواطنون بالحقوق مع ترتيب الواجبات.
وشدد على أن هذا المبدأ يعتمد على آثار القوانين المطبقة، ويحاول رفع شبهة عدم الثقة في القوانين المستقبلية، معتبرا أن استشرافية القوانين تؤدي إلى الحصول على نصوص تقلل من الآثار السلبية لعدم استقرار القوانين، والتي هي نتاج تضخم القوانين الجاري بها العمل.
وأبرزت ورقة خاصة بالمناظرة أن الأمن القانوني يعد مبدأ أساسيا من مبادئ دولة القانون، إذ يضمن للمواطنين والمؤسسات والمقاولات قابلية التوقع واستقرار تطبيق القواعد القانونية، ويرتكز على عناصر جوهرية، ضمنها وضوح القواعد القانونية وسهولة الوصول إليها، والاتساق التشريعي، وقابلية التوقع، إضافة إلى الحد من السلطة التقديرية،
وسجلت أن التشريعات الجيدة تساهم في تحقيق حكامة أفضل، وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم، وتحسين المناخ الاقتصادي والاجتماعي، معتبرة أن المعايير الدولية المتعلقة بالأمن القانوني وجودة التشريع تستمد مرجعيتيها من المبادئ العامة لدولة القانون، كما أقرتها الأمم المتحدة، والهيئات القضائية الإقليمية، والمنظمات الدولية.
ويتضمن جدول أعمال هذا اللقاء عقد جلسات تناقش “قابلية التوقع في-ومن خلال القانون”، و”إمكانية الوصول إلى القانون”، وكذا “تنظيم السلطات التقديرية للوقاية من القرارات التعسفية”.
و م ع