شكلت الحاجة إلى الجماليات والفنون في زمن عالمي تجتاحه أمواج الدمار ويطرح أسئلة مربكة للكائن عن مآل الانسانية موضوع جلسة حوارية نظمت، اليوم الجمعة بالرباط، في إطار فعاليات الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب.
“نشعر أن العالم ليس بخير، وأن صحتنا الجمالية متعبة وموجة البشاعة تتسع” يقول الباحث عبد الواحد آيت الزين، الذي أدار الجلسة متسائلا هل يتعلق الأمر “بلحظات انهيار أم صياغة جديدة لرؤى تفتح آفاقا جديدة للعالم وللانسانية؟”.
واستعاد الفنان اللبناني مارسيل خليفة مسيرة “أثقلتنا بها الحروب، وخذلتنا الشعارات الكبرى الرنانة” مؤكدا أن ما يحرص عليه هو “إنسانية العمل الفني لا استعراض المهارة”.
من صميم مهمة خليفة أن يحرض الناس على التوهج والتغيير، ذلك لأن الموسيقى، في رأيه، مواجهة ومحاولة لتحريك وعي الانسان بدافع قلق وجودي يرى الانسان ذاته، من خلاله، “عاريا”.
وفي سياق الهجوم على مساحات الحب والجمال في حياة البشر، يقول مارسيل إن على الفن أن يكون شجاعا لاستيعاب الحالة المعقدة التي صنعتها طفرة التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.
ومن جهته، ذكر الباحث الجمالي، موليم العروسي، بملحاحية التفلسف في الأزمنة الصعبة لأن الفلسفة ليست متعة بل حاجة أصيلة تقود الى تفكيك وفهم أسرار الدمار الذي أصبح سمة غالبة على العالم. إنه دمار ثلاثي الأبعاد..دمار الكوكب، والحضارة والانسان.
وقال العروسي إن العالم يشهد نشوء إنسان آخر، وأن حروب اليوم هي حروب ما بعد الانسان العاقل، داعيا الى الاحتماء بقيم الجمال من أجل الابقاء على كوة الضوء مشتعلة في آخر النفق. وشدد على أن الجمال والإبداع مرتبط بشرط قبلي هو الحب الذي بدونه يهجر الجمال الأرض.
وتحدث المفكر محمد نور الدين أفاية عن سياق مربك للفكر الانساني تطبعه اختلالات هائلة في العلاقات الدولية وفوضى في المفاهيم بين الضحية والجلاد وتحولات بنيوية تصنعها وسائط انتقلت من مهمة خلق الروابط الانسانية الى تدميرها.
وأبرز أفاية أن الجماليات تتيح خلق مسافات مع الواقع القهري انتصارا للحياة، معربا عن ثقته في فعالية المقاومة التي تنطوي عليها الممارسة الفنية بمعناها النبيل والراقي.
إزاء همجية الحرب ووحشية السوق التي تسلع كل القيم، شدد المتدخلون على ضرورة التمسك بالوظيفة السامية للإبداع الذي لا يمكن أن يطمسه عصر الذكاء الاصطناعي، على اعتبار أنه يتصل بمنطقة غامضة في الكيان الانساني، منطقة الرغبة والحلم والحب.
و م ع
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.